من الرخام وعلى رأسه مثل ذلك ، والرخام أبيض منقط بحمرة وسواد مثل الجزع اليماني ، طول كلّ عمود ثلاثون ذراعا ودورته ثمانية أذرع ، وله باب من الرخام وعتبته وعضادتاه أيضا من الرخام الأحمر الذي هو أحسن من الجزع ، وفي هذا المجلس أكثر من ثلاثمائة عمود كلّها من جنس واحد وقدّ واحد ، وفي وسط هذا المجلس عمود من الرخام على قاعدة رخاميّة ، طوله مائة وإحدى عشرة ذراعا ودوره خمسة وأربعون شبرا ، إني شبرتها بشبري.
ومن عجائبها عمود يعرف اليوم بعمود السواري قريب من باب الشجرة من أبواب الإسكندريّة ، فإنّه عظيم جدّا كأنّه منارة عظيمة ، وهو قطعة واحدة منتصب على قاعدة من حجر عظيم مربع ، وعلى رأسه حجر آخر مثل القاعدة كأنّه بيت ، فإن تحت ذلك من مقطعه وانتصابه ورفع الحجر الفوقاني على رأسه يدلّ على أن فاعليه كانوا في قوّة شديدة ، وكانوا بخلاف أهل زماننا.
ومن عجائبها ما ذكر أبو الريحان في الآثار الباقية ان بالإسكندريّة اسطوانة متحرّكة ، والناس يقولون إنّها تتحرّك بحركة الشمس ، وإنّما قالوا ذلك لأنّها إذا مالت يوضع تحتها شيء ، فإذا استوت لا يمكن أخذها ، وإن كان خزفا أو زجاجا يسمع تقريعه ، وكانت الإسكندريّة مجمع الحكماء ، وبها كان معاريجهم مثل الدرج ، يجلس عليها الحكماء على طبقاتهم فكان أوضعهم علما الذي يعمل الكيمياء ، فإن موضعه كان على الدرجة السفلى.
ومن عجائبها المنارة أسفلها مربع من الصخر المنحوت ، وفوق ذلك منارة مثمّنة ، وفوق المثمّنة منارة لطيفة مدوّرة ، طول الأولى تسعون ذراعا ، والمثمّنة مثل ذلك ، وطول اللطيفة المدوّرة ثلاثون ذراعا ، وعلى أعلى المنارة مرآة وعليها موكّل ينظر إليها كلّ لحظة ، فإذا خرج العدوّ من بلاد الروم وركب البحر ، يراه الناظر في المرآة ويخبر القوم بالعدوّ فيستعدّون لدفعه. وكانت المرآة باقية إلى زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان ، فأنفذ ملك الروم شخصا من خواصه ذا دهاء ، فجاء إلى بعض الثغور وأظهر أنّه هارب من ملك الروم ورغب في