الناس في ذلك واخشوا الله تعالى فهو أحق أن يخشى ، ولا تشتروا بآيات الله التي هي أحكامه فتعطلوها مقابل ثمن قليل تأخذونه ممن تجاملونهم وتداهنونهم على حساب دين الله وكتابه. (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (١) فكيف ترضون بالكفر بدل الأيمان.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٤٤) أما الآية الثانية (٤٥) (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ (٢) ..) فقد أخبر تعالى أنه فرض على بني إسرائيل في التوراة القود في النفس والقصاص في الجراحات فالنفس تقتل بالنفس ، العين تفقأ بالعين (٣) والأنف يجدع بالأنف ، والأذن (٤) تقطع بالأذن والسن تكسر إن كسرت (٥) بالسن ، وتقلع به إن قلع ، والجروح (٦) بمثلها قصاص ومساواة وأخبر تعالى أن من تصدق على الجاني بالعفو عنه وعدم المؤاخذة فإن ذلك يكون كفارة لذنوبه (٧) ، وإن لم يتصدق عليه واقتص منه يكون ذلك كفارة لجنايته بشرط وذلك بأن يقدم نفسه للقصاص تائبا أي نادما على فعله مستغفرا ربه. وقوله تعالى في ختام الآية : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، وذلك بأن قتل غير القاتل أو قتل بالواحد اثنين أوفقأ بالعين عينين كما كان بنو النضير يعاملون به قريظة بدعوى الشرف عليهم. هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الثالثة (٤٦) وهي قوله تعالى : (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) فقد أخبر تعالى أنه أتبع أولئك الأنبياء السابقين من بني إسرائيل عيسى بن مريم عليهالسلام أي أرسله بعدهم مباشرة (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) لم ينكرها أو يتجاهلها ، (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) ، أي وأعطيناه الإنجيل وحيا أوحيناه إليه وهو كتاب مقدس أنزله الله تعالى عليه فيه أي في الإنجيل هدى من الضلال ونور لبيان الأحكام من الحلال
__________________
(١) القول الذي لا خلاف فيه هو أنّ المسلم لا يكفر لمجرّد عدم حكمه بما أنزل الله تعالى. وإنّما يفسق ويصبح في عداد الفاسقين من أمّة الإسلام أمّا الكفر فلا يكفر ولا يكفّر إلّا بشرط أن ينكر هداية القرآن وصلاحيته ويعرض عنه مستخفا به مفضلا عليه غيره.
(٢) الذي عليه أكثر الفقهاء أنّ المسلم لا يقتل بالذميّ لقول الرسول صلىاللهعليهوسلم «المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ولا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده» رواه أبو داود والترمذي.
(٣) لا خلاف أنّ في العينين دية وفي العين الواحدة نصف دية ، وفي عين الأعور دية كاملة وفي الأنف إذا جدع الدية كاملة.
(٤) الدية في ذهاب السمع أمّا مع بقاء السمع ففيه حكومة.
(٥) في السنّ خمس من الإبل للحديث الصحيح في ذلك.
(٦) وفي الشفتين الدية وفي الواحدة نصف الدية وفي اللسان إذا قطع الدية.
(٧) اختلف في دية المرأة الأكثرون على أنّ أصبعها كأصبع الرجل وسنّها كسّنه وموضحتها كموضحته ومنقلتها كمنقلته فإذا بلغت ثلث الدية كانت على النصف من دية الرجل ، وقالت طائفة : دية المرأة فيما ذكر على النصف من دية الرجل.