فِتْنَتَهُ) أي إضلاله عن الحق لما اقترف من عظائم الذنوب وكبائر الآثام (فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) إذا أراد الله إضلاله إذا فلا يحزنك مسارعتهم في الكفر ، (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) من الحسد والشرك والنفاق لسوابق الشر التي كانت لهم فحالت دون قبول الإيمان والحق ، (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أي ذل وعار ، (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) جزاء كفرهم وبغيهم. هذا ما دلت عليه الآية (٤١) أما الآية الثانية (٤٢) فقد تضمنت وصف أولئك اليهود بصفة كثرة استماع الكذب مضافا إليه كثرة أكلهم للسحت وهو المال الحرام أشد حرمة كالرشوة والربا (١) ، فقال تعالى عنهم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) (٢) (فَإِنْ جاؤُكَ ..) أي للتحاكم عندك فأنت مخير بين أن تحكم بينهم بحكم الله. (٣) أو تعرض عنهم وتتركهم لأحبارهم يحكمون بينهم كما شاءوا وإن تعرض عنهم فلم تحكم بينهم لن يضروك شيئا أي من الضرر ولو قل ، لأن الله تعالى وليك وناصرك ، وإن حكمت بينهم فاحكم بينهم بالقسط أي بالعدل ، لأن الله تبارك وتعالى يحب ذلك فافعله لأجله إنه يحب القسط والمقسطين ، وقوله تعالى في الآية الثالثة (٤٣) (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ). أي إنه مما يتعجب منه أن يحكموك فتحكم بينهم برجم الزناة ، وعندهم التوراة فيها نفس الحكم فرفضوه معرضين عنه اتّباعا لأهوائهم ، (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) لا بك ولا بحكمك ولا بحكم التوراة.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ استحباب ترك الحزن باجتناب أسبابه ومثيراته.
٢ ـ حرمة سماع الكذب لغير حاجة تدعو إلى ذلك.
٣ ـ حرمة تحريف الكلام وتشويهه للإفساد.
__________________
(١) الرشوة مشتقة من الرشا الذي هو الحبل الذي يستخرج به الماء من البئر بضميمة الدلو وعليه فكل مال أعطى لحاكم ليأخذ به الراشي حق امرىء فهو رشوة وسحت محرّمان بلا خلاف ، وكذا ما يدفعه الواسطة لحاكم ليسقط عنه حقا وجب عليه فهو رشوة. أمّا ما كان ليدفع به عن نفسه أو ماله أو عرضه أو دينه فلا يحرم وليس هو من الرشوة ، قال السمرقندي الفقيه وبهذا نأخذ.
(٢) أصل السحت : الهلاك والشدّة قال تعالى : (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) وقال الفرزدق :
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع |
|
من المال إلا مسحتا أو مجلّف |
وسمي المال الحرام كالربا ، والرشوة سحتا لأنّه يسحت الطاعات ويبطل ثوابها ويسحت البركة ويزيلها.
(٣) يرى مالك والشافعي أن اليهود إذا رفعوا للإمام قضية دم أو مال أو عرض حكم بينهم بما أنزل الله ، وإن كان ما رفعوه لا يتعلق بالمال أو الدم أو العرض تركهم معرضا عنهم ، وأبو حنيفة يرى الحكم بينهم مطلقا.