ذكر في الجملة الأولى نواقض الوضوء إجمالا وهو الخارج من السبيلين من عذرة وفساء وضراط وبول ومذي كنى عنه بقوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) وهو مكان التغوط والتبول وذكر موجب الغسل وهو الجماع وكنىّ عنه بالملامسة تعليما لعباده المؤمنين الآداب الرفيعة في مخاطباتهم ، وقوله : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) للوضوء أو الغسل بعد أن طلبتموه فلم تجدوه فتيمموا ، اقصدوا من أم الشيء إذا قصده صعيدا طيبا يريد ما صعد على وجه الأرض من أجزائها كالتراب والرمل والسبخة والحجارة وقوله : (طَيِّباً) يريد به طاهرا من النجاسة والقذر ، وقوله : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) بين فيه كيفية التيمم ، وهي أن يقصد المرء التراب الطاهر وإن تعذر ذلك فما تيسر له من أجزاء الأرض فيضرب بكفيه الأرض فيمسح بهما وجهه وكفيه ظاهرا وباطنا مرة واحدة وقوله تعالى : (مِنْهُ) أي من ذلك الصعيد وبهذا بين تعالى كيفية التيمم وهي التي علمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمار بن ياسر (١) رضي الله عنه وقوله تعالى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) يخبر تعالى أنه يأمرنا بالطهارة بقسميها الصغرى وهي الوضوء والكبرى وهي الغسل ، وما ينوب عنهما عند العجز وهو التيمم ، ما يريد بذلك إيقاعنا في الضيق والعنت ، ولكنه تعالى يريد بذلك تطهيرنا من الأحداث والذنوب ، لأن الوضوء كفارة لذنب المتوضىء كما جاء بيانه في السنة (٢) وهو قوله تعالى : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) أي بهدايتكم إلى الإسلام وتعليمكم شرائعه فيعدكم بذلك لشكره وهو طاعته بالعمل بما جاء به الإسلام من الأعمال الباطنة والظاهرة وهو معنى قوله (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٦) أما الآية الأخيرة (٧) وهي قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فإنه تعالى يأمر عباده المؤمنين أن يذكروا نعمته عليهم بهدايتهم إلى الإيمان ليشكروه بالإسلام ، كما يذكروا ميثاقه الذي واثقهم به وهو العهد الذي قطعه المؤمن على نفسه لربه تعالى بالتزامه بطاعته وطاعة رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم عند ما تعهد أن لا إله إلا الله وأن
__________________
(١) إذ قال له : «إنما يكفيك أن تقول هكذا ثمّ ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه» متفق عليه ، وورد أنّه يضرب الأرض فيمسح وجهه ثمّ يكررها مرة أخرى فيمسح كفيه. وورد عن ابن عمر مسحهما إلى المرفقين.
(٢) ورد في فضل الوضوء أحاديث صحيحة كثيرة منها : «من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه» ومنها : «ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يرفع طرفه إلى السماء ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين إلّا فتحت له أبواب الجنة الثمانية.