ثم ذكيت فعند ذلك تحل بالتذكية لا بالاصطياد ، (١) وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) وعيد لمن لم يتق الله في أكل ما حرم أكله من الميتة وأنواعها ، ومن صيد صاده غير معلّم من الجوارح ، أو صاده معلم ولكنه أكل منه فمات قبل التذكية. فلتتق عقوبة الله في ذلك فإن الله سريع الحساب.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٤) أما الآية الثانية (٥) وهي قوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) أي في هذا اليوم الذي أكمل الله تعالى لكم فيه الدين أحل لكم ما سألتم عنه وهو سائر الطيبات وكذا طعام الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهم اليهود والنصارى خاصة فطعامهم أي ذبائحهم حل لكم ، وطعامكم حل لهم أي لا بأس أن تطعموهم من طعامكم فإن ذلك جائز لكم ولهم. وأحل لكم أيضا نكاح المحصنات أي العفائف من المؤمنات ، والمحصنات من نساء الذين أتوا الكتاب من قبلكم وهن العفائف من اليهوديات والنصرانيات ، على شرط إتيانهن أجورهن أي مهورهن حال كونكم محصنين أي عاقدين عليهن عقدة النكاح المتوقفة على المهر والولي والشهود وصيغة الإيجاب والقبول ، لا مسافحين بإعطاء المرأة أجرة وطئها فقط بدون عقد مستوف لشروطه ، ولا متخذي أخدان أيضا بأن تنكحوهن سرا بحكم الصحبة والصداقة والمحبة إذ ذاك هو الزنى فلا يحل بأجرة ولا بغير بأجرة وقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ (٢) بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) فيه إشارة إلى أن استباحة المحرمات والجرأة على ذلك قد تؤدي إلى الكفر ، ومن يكفر بعد إيمانه فقد حبط عمله أي بطل ثواب ما عمله في إسلامه ، حتى ولو راجع الإسلام فليس له إلا ما عمله بعد رجوعه إلى الإسلام ، وإن مات قبل العودة إلى الإسلام فهو قطعا في الآخرة من الخاسرين بإلقائهم في نار جهنم خالدين فيها أبدا.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين :
١ ـ مشروعية سؤال من لا يعلم عما ينبغي له أن يعلمه.
٢ ـ حلية الصيد إن توفرت شروطه وهي أن يكون الجارح معلما وأن يذكر اسم الله تعالى عند
__________________
(١) قوله صلىاللهعليهوسلم : «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل» دالّ على أنّ الصائد يتعيّن عليه أن يقصد عند إرسال الكلب والطير ، التذكية والإباحة ، إذ الأعمال بالنيات ولكل امريء ما نوى.
(٢) لفظ الإيمان : مصدر آمن يؤمن إيمانا ، أطلق وأريد به الإسلام ، لأنّ الإسلام والإيمان متلازمان ، ما أسلم من لم يؤمن وما آمن من لم يسلم ومعنى الآية : ومن يرتد عن الإسلام ... الخ.