والثانية : فلق البحر لهم وإغراق عدوهم بعد نجاتهم وهم ينظرون. (١)
والثالثة : عفوه تعالى عن أكبر زلة زلوها وجريمة اقترفوها وهى اتخاذهم عجلا (٢) صناعيا الها وعبادتهم له. فعفا تعالى عنهم ولم يؤاخذهم بالعذاب لعلة أن يشكروه تعالى بعبادته وحده دون سواه.
والرابعة : ما أكرم به نبيهم موسى عليهالسلام من التوراة التى فيها الهدى والنور والمعجزات التى أبطلت باطل فرعون ، وأحقت دعوة الحق التى جاء بها موسى عليهالسلام.
هذه النعم هى محتوى الآيات الخمس ، ومعرفتها معرفة لمعانى الآيات في الجملة اللهم الا جملة [وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم] فى الآية الأولى فانها : اخبار بأن الذى حصل لبنى اسرائيل من عذاب على أيدى فرعون وملئه انما كان امتحانا من الله واختبارا عظيما لهم. كما أن الآية الثالثة فيها ذكر مواعدة الله تعالى لموسى بعد نجاة (٣) بنى اسرائيل أربعين ليلة وهى القعدة وعشر الحجة ليعطيه التوراه يحكم (٤) بها بنى اسرائيل فحدث في غيابه ان جمع السامرى حلى نساء بني إسرائيل وصنع منه عجلا ودعاهم الى عبادته فعبدوه فاستوجبوا العذاب إلا أن الله منّ عليهم بالعفو ليشكروه.
هداية الآيات :
من هداية هذه الآيات :
١ ـ ذكر النعم يحمل (٥) على شكرها ، والشكر هو الغاية من ذكر النعمة.
٢ ـ أن الله تعالى يبتلى عباده لحكم عالية فلا يجوز الاعتراض على الله تعالى فيما يبتلى به عباده
٣ ـ الشرك ظلم (٦) لأنه وضع العبادة في غير موضعها.
__________________
(١) جملة : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) في الآيات حالية وإن قيل الذين تمّ لهم هذا الانعام هم من كانوا مع موسى عليهالسلام فكيف يخاطب به يهود اليوم فالجواب : أنّ النعم على السلف نعم على الخلف.
(٢) القوم الذين مروا بهم فوجدوهم عاكفين على أصنام لهم هم قوم من الكنعانيين وهم الفينيقيون سكان سواحل بلاد الشام إذ كانوا يعبدون عجلا مقدّسا لهم.
(٣) كان يوم نجاة بني اسرائيل يوم عاشوراء المحرم لما في البخاري وغيره من أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم لما قدم المدينة مهاجرا وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك فقالوا : يوم صالح أنجى الله تعالى فيه بني اسرائيل. فصامه. رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمر بصيامه وقال : «نحن أحق بموسى منهم» أو كما قال.
(٤) ومما يؤسف ويحزن أن المسلمين لما ابتلاهم الله باستعمار النصارى لهم كانوا كلما استقل شعب أو إقليم طلب قانون الكافرين فحكم به المسلمين ، وبنوا اسرائيل لما استقلوا على يد موسى ذهب يأتيهم بقانون الربّ ليحكمهم به.
(٥) ولذا كان مبدأ الشكر : الاعتراف بالنعمة أوّلا ، وهو ذكرها بالقلب ، واللسان.
(٦) قال تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).