يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ) يا رسولنا (نَصِيراً) ينصره من الخذلان الذي وقع فيه والهزيمة الروحية التي حلت به فأصبح وهو العالم يبارك الشرك ويفضله على التوحيد
ثم قال تعالى في الآية (٥٣) (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا (١) يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً). أي ليس لهم نصيب من الملك كما يدعون فالاستفهام للانكار عليهم دعوة أن الملك يؤول إليهم ، وهم لشدة بخلهم لو آل الملك لهم لما أعطوا أحدا أحقر الأشياء وأتفهها ولو مقدار نقرة نواة وهذا ذم لهم بالبخل بعد ذمهم بلازم الجهل وهو تفضيلهم الشرك على التوحيد. وقوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ (٢) النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) أم بمعنى بل كسابقتها للاضراب ـ الانتقالي من حال سيئة إلى أخرى ، والهمزة للإنكار ينكر تعالى عليهم حسدهم للنبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين على النبوة والدولة ، وهو المراد من الناس وقوله تعالى (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ) كصحف ابراهيم والتوراة والزبور والانجيل «والحكمة» التي هي السنة التي كانت لأولئك الأنبياء يتلقونها وحيا من الله تعالى وكلها علم نافع وحكم صائب سديد والملك العظيم هو ما كان لدواد وسليمان عليهماالسلام كل هذا يعرفه اليهود فلم لا يحسدون من كان لهم ويحسدون محمدا والمسلمين والمراد من السياق ذم اليهود بالحسد كما سبق ذمهم بالبخل والجهل مع العلم.
وقوله تعالى في الآية (٥٥) (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) يريد أن من اليهود المعاهدين للنبي صلىاللهعليهوسلم من آمن بالنبي (٣) محمد ورسالته ، وهم القليل ، (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) أي انصرف وصرف الناس عنه وهم الأكثرون (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) لمن كفر حسدا وصد عن سبيل الله بخلا ومكرا ، أي حسبه جهنم ذات السعير جزاء له على الكفر والحسد والبخل. والعياذ بالله تعالى.
__________________
(١) إذا : هنا ملغاة فلم تنصب المضارع بعدها وذلك لدخول فاء العطف عليها ولو نصب وكان في غير القرآن بها لجاز النصب ، قال سيبويه : (إذا) في عوامل الأفعال بمنزلة ظنّ في عوامل الأسماء ، أي تلغي ولا تعمل إذا لم يكن الكلام معتمدا عليها.
(٢) الحسد : كبيرة من كبائر الذنوب لأنّه اعتراض على الله فيما قسمه بين عباده وورد فيه أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب قيل فيه : إنه أول ذنب عصي الله به في السماء وأول ذنب عصي الله به في الأرض ، إذ حسد إبليس آدم في السماء وحسد قابيل هابيل في الأرض.
(٣) وجائز أن يكون الضمير عائدا إلى إبراهيم عليهالسلام أو إلى الكتاب وما ذكرناه في التفسير هو الحق.