تَضِلُّوا السَّبِيلَ) أي ألم ينته إلى علمك وإلى علم أصحابك ما يحملكم على التعجب : العلم بالدين أتوا نصيبا من الكتاب وهم رفاعة بن زيد وإخوانه من اليهود ، أعطوا حظا من التوراة فعرفوا صحة الدين الإسلامي ، وصدق نبيه صلىاللهعليهوسلم (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) وهو الكفر يشترونها بالايمان ، حيث جحدوا نعوت النبي وصفاته في التوراة للإبقاء على مركزهم بين قومهم يسودون ويتفضلون ، ويريدون مع ذلك أن تضلوا أيها المؤمنون السبيل سبيل الحق والرشد وهو الإيمان بالله ورسوله والعمل بطاعتهما للإسعاد والإكمال. (وَاللهُ أَعْلَمُ (١) بِأَعْدائِكُمْ) الذين يودون ضركم ولا يودون نفعكم ، ولذا أخبركم بهم لتعرفوهم وتجتنبوهم فتنجوا من مكرهم وتضليلهم. (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) لكم تعتمدون عليه وتفوضون أموركم إليه (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) ينصركم عليهم وعلى غيرهم فاعبدوه وتوكلوا عليه. (مِنَ (٢) الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) أي هم من اليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، والكلام هو كلام الله تعالى في التوراة وتحريفه بالميل به عن القصد ، أو بتبديله وتغييره تضليلا للناس وإبعادا لهم عن الحق المطلوب منهم الإيمان به والنطق والعمل به. ويقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم كفرا وعنادا (سَمِعْنا وَعَصَيْنا (٣) ، وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) (٤) أي لا أسمعك الله (وَراعِنا) وهي كلمة ظاهرها أنها من المراعاة وباطنها الطعن في رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ اليهود يعدونها من الرعونة يقولونها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم سبا وشتما له قبحهم الله ولعنهم وقطع دابرهم وقوله تعالى : (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ) أي يلوون ألسنتهم بالكلمة التي يسبون بها حتى لا تظهر عليهم ، ويطعنون بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا) أي انتظرنا بدل راعنا لكان خيرا لهم وأقوم أي أعدل وأكثر لياقة وأدبا ولكن لا يقولون هذا لأن الله تعالى لعنهم وحرمهم من كل توفيق بسبب كفرهم ومكرهم فهم لا يؤمنون إلا قليلا. أي إيمانا لا ينفعهم لقلته فهو لا يصلح أخلاقهم ولا يطهر نفوسهم ولا يهيئهم للكمال في الدنيا ولا في الآخرة.
__________________
(١) جملة اعتراضية وهي تحمل التعريض بأنّ إرادة اليهود تضليل المسلمين ناجمة عن عداوة وحسد للمسلمين.
(٢) (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) خبر لمبدأ محذوف تقديره : من الذين هادوا جماعة يحرفوه الكلم عن مواضعه ومن تبعيضية.
(٣) قال ابن عباس رضي الله عنهما إنّهم كانوا يقولون : سمعنا قولك ، وعصينا أمرك.
(٤) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ مرادهم من قولهم : (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) اسمع لا سمعت.