ليتم الحساب بحسب البينات والشهود والجزاء بحسب الكفر والإيمان والمعاصي والطاعات ، وجئنا بك أيها الرسول الخليل صلىاللهعليهوسلم شهيدا على هؤلاء أى على أمته صلىاللهعليهوسلم من آمن به ومن كفر إذ يشهد أنه بلغ رسالته وأدى أمانته صلىاللهعليهوسلم. هذا ما تضمنته الآية الثانية أما الآية الثالثة (٤٢) فإنه تعالى لما ذكر ما يدل على هول يوم القيامة في الآية (٤١) ذكر مثلا لذلك الهول وهو أن الذين كفروا يودون وقد عصوا الرسول لو يسوون بالأرض فيكونون ترابا حتى لا يحاسبوا ولا يجزوا بجهنم. وأنهم في ذلك اليوم لا يكتمون الله كلاما ؛ إذ جوارحهم تنطق فتشهد عليهم. قال تعالى (يَوْمَئِذٍ) أى يوم يؤتى من كل أمة بشهيد (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تُسَوَّى (١) بِهِمُ الْأَرْضُ) فيكونون ترابا مثلها. (٢) مرادهم أن يسووا هم بالأرض فيكونون ترابا وخرج الكلام على معنى أدخلت رأسي في القلنسوة والأصل أدخلت القلنسوة في رأسي وقوله (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) اخبار عن عجزهم عن كتمان شىء عن الله تعالى لأن جوارحهم تشهد عليهم بعد أن يختم على أفواههم ، كما قال تعالى من سورة يس (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).
هداية الآيتين
من هداية الآيتين :
١ ـ بيان عدالة الله تعالى ورحمته ومزيد فضله.
٢ ـ بيان هول يوم القيامة حتى إن الكافر ليود أن لو سويت به الأرض فكان ترابا.
٣ ـ معرفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم بآثار الشهادة على العبد يوم القيامة إذ أخبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما «إقرأ عليّ القرآن فقلت أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال : أحب أن أسمعه من غيري قال : فقرأت (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) حتى وصلت هذه الآية (فَكَيْفَ) (٣) (إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) الآية وإذا عينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم تذرفان الدموع (٤) وهو يقول : حسبك أي كفاك ما قرأت علّي.
__________________
(١) قرئت تسّوّى بتشديد كل من السبن والواو مع فتح التاء في السبع ، وقرئت أيضا تسوى بفتح التاء وتخفيف السين ، وتشديد الواو ، وبضمّ التاء وتشديد الواو.
(٢) أي تمنوا لو انفتحت لهم الأرض فساخوا فيها ، فتكون الباء بمعنى على ، أي لو تسوى عليهم أي تنشق فتسوى عليهم.
(٣) الاستفهام للتعجب من حال الناس في عرصات القيامة ، وقد جيىء بالشهود ، وأزلفت الجنة للمتقين ، وبرزت الجحيم للغاوين.
(٤) إن بكاء الرسول صلىاللهعليهوسلم هنا لسببين : الأول : المسرة التي نالته بتشريف الله تعالى له في هذا المشهد العظيم حيث يؤتى به شهيدا على أمته ، لا يعرف عدد أفرادها إلّا الله خالقها ، ويدخل الجنة بشهادته عدد لا يحصى ، والثاني : الأسى والأسف الذي يلحقه من رؤيته أعدادا هائلة من أمته يدخلون النار بشهادته عليهم ، والبكاء يكون للمسرة والحزن معا.