أعطاها ظهره فلا يكلمها ولا يجامعها وليصبر على ذلك حتى تؤوب إلى طاعته وطاعة الله ربهما معا وإن أصرت ولم يجد معها الهجران في الفراش ، فالثالثة وهي أن يضربها (١) ضربا غير مبرح لا يشين جارحة ولا يكسر (٢) عضوا. وأخيرا فإن هي أطاعت زوجها فلا يحل بعد ذلك أن يطلب الزوج طريقا إلى أذيّتها لا بضرب ولا بهجران لقوله تعالى : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) أي الأزواج (فَلا تَبْغُوا) أي تطلبوا (عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) لأذيتهنّ باختلاق الأسباب وإيجاد العلل والمبررات لأذيتهنّ. وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) تذييل للكلام بما يشعر من أراد أن يعلو (٣) على غيره بما أوتي من قدرة بأن الله أعلى منه وأكبر فليخش الله وليترك من علوه وكبريائه.
هذا ما تضمنته هذه الآية العظيمة (٣٤) أما الآية الثانية (٣٥) فقد تضمنت حكما جتماعيا آخر وهو إن حصل شقاق بين زوج وامرأته فأصبح الرجل في شق والمرأة في شق آخر فلا تلاقي بينهما ولا وفاق ولا وئام وذلك لصعوبة الحال فالطريق إلى حل هذا المشكل ما أرشد الله تعالى إليه ، وهو أن يبعث ولي الزوجة حكما من قبله ، ويبعث ولي الزوج حكما من قبله ، أو يبعث الزوج نفسه حكما وتبعث الزوجة أيضا حكما من قبلها ، أو يبعث القاضي كذلك الكل جائز لقوله تعالى : (فَابْعَثُوا) وهو يخاطب المسلمين على شرط أن يكون الحكم عدلا عالما بصيرا حتى يمكنه الحكم والقضاء بالعدل. فيدرس الحكمان القضية أولا مع طرفي النزاع ويتعرفان إلى أسباب الشقاق وبما في نفس الزوجين من رضى وحب ، وكراهية وسخط ثم يجتمعان على اصلاح ذات البين فإن أمكن ذلك فيها وإلا فرقا بينهما برضا الزوجين. مع العلم أنهما إذا ثبت لهما ظلم أحدهما فإن عليهما أن يطالبا برفع الظلم فإن كان الزوج هو الظالم فليرفع ظلمه وليؤد ما وجب عليه ، وإن كانت المرأة هي الظالمة فإنها ترفع ظلمها أو تفدي نفسها بمال فيخالعها به زوجها هذا معنى قوله تعالى (وَإِنْ
__________________
(١) لم يصرح الله تعالى بالضرب في كتابه إلّا في الحدود وهنا في ضرب الناشز ، وهذا دليل على أنّ عصيان الزوجة لزوجها حرام ويشهد لهذا حديث : «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح» رواه مسلم.
(٢) لحديث مسلم في خطبة حجة الوداع إذ فيه : واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرّح ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
(٣) روى أبو داود والنسائي وابن ماجه أنّه لمّا قال الرسول صلىاللهعليهوسلم : «لا تضربوا إماء الله فجاء عمر وقال يا رسول الله ذئرت النساء على أزواجهن فرخص صلىاللهعليهوسلم في ضربهن فأطاف بآل رسول الله نساء كثير يشتكين أزواجهن فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ليس أولائك بخياركم» ومعنى : ذئرت النساء : أي نشزت وتغير خلقهن ، أو نشزن واجترأن والاجتراء هنا أولى بالمعنى.