معنى الآيتين :
ما زال السياق في الآداب والنتائج المترتبة على غزوة أحد ففي هذه الآية (١٥٩) يخبر تعالى عما وهب رسوله من الكمال الخلقى الذى هو قوام الأمر فيقول : (فَبِما (١) رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) أي فبرحمة (١) من عندنا رحمناهم بها لنت (٢) لهم ، (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) أي قاسيا جافا جافيا قاسى القلب غليظه (لَانْفَضُّوا مِنْ (٣) حَوْلِكَ) أي تفرقوا عنك ، وحرموا بذلك سعادة الدارين. وبناء على هذا فاعف (٤) عن مسيئهم ، واستغفر لمذنبهم ، وشاور ذوى الرأى منهم ، وإذا بدا لك رأي راجح المصلحة فاعزم على تنفيذه متوكلا على ربك فإنه يحب المتوكلين ، والتوكل الإقدام على فعل ما أمر الله تعالى به أو أذن فيه بعد إحضار الأسباب الضرورية له. وعدم التفكير فيما يترتب عليه بل يفوض أمر النتائج إليه تعالى.
هذا ما تضمنته الآية الأولى اما الآية الثانية (١٦٠) فقد تضمنت حقيقة كبرى يجب العلم بها والعمل دائما بمقتضاها وهى أن النصر بيد الله ، والخذلان كذلك فلا يطلب نصر إلا منه تعالى ، ولا يرهب خذلان الا منه عزوجل ، وطلب نصره هو إنفاذ أمره بعد إعداد الأسباب اللازمة له ، وتحاشي خذلانه تعالى يكون بطاعته والتوكل عليه هذا ما دل عليه قوله تعالى في هذه الآية (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ ، وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ، وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
هداية الآيتين
من هداية الآيتين :
١ ـ كمال رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخلقى.
٢ ـ فضل الصحابة رضوان الله عليهم وكرامتهم على ربهم سبحانه وتعالى.
٣ ـ تقرير مبدأ المشورة (٥) بين الحاكم وأهل الحل والعقد في الأمة.
__________________
(١) الميم صلة أى مزيدة لتوكيد الكلام وتقويته نحو قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) وقوله : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) وجند ما هنالك
(٢) وذلك لأنّه صلىاللهعليهوسلم لم يعنف الذين تولوا يوم أحد بل رفق بهم ، فأخبر تعالى أنّ ذلك كان بتوفيق منه عزوجل لرسوله.
(٣) قيل يمنعهم الحياء والاحتشام والهيبة من القرب منك بعد ما كان من توليهم وهذا شأن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(٤) هذا الترتيب مقصود فأوّلا يعفو عنهم لما كان بينه وبينهم ، وثانيا : يستغفر الله لهم لما كان بينهم وبين ربهم من تبعات ، وبعد هذا الإعداد يصبحون أهلا للمشروة فيشاورهم.
(٥) الاستشارة مأخوذة من شرت الدابة إذا علمت خبرها كجري ونحوه ، ويقال للموضع الذي تركض فيه المشوار. قال ابن عطية : والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب. وقد قيل : ما ندم من استشار. ومن أعجب برأيه ضلّ ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما ندم من استشار ولا خاب من استخار ولا عال من اقتصد».