الأول مغفرة ذنوبهم وذلك بالتوبة النصوح ، والثاني دخول الجنة التي وصفها لهم ، وقال تعالى (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا (١) السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) أي أحضرت وهيئت للمتقين والمسارعة إلى الجنة هي المسارعة إلى موجبات دخولها وهي الإيمان والعمل الصالح إذ بهما تزكوا الروح وتطيب فتكون أهلا لدخول الجنة.
هذا ما تضمنته الآية الأولى وأما الآيتان الثانية (١٣٤) والثالثة (١٣٥) فقد تضمنتا صفات المتقين الذين أعدت لهم الجنة دار السّلام فقوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) هذا وصف لهم بكثرة الانفاق في سبيل الله ، وفي كل أحايينهم من غنى وفقر وعسر ويسر وقوله : (وَالْكاظِمِينَ (٢) الْغَيْظَ) وصف لهم بالحلم والكرم النفسي وقوله : (وَالْعافِينَ عَنِ (٣) النَّاسِ) وصف لهم بالصفح والتجاوز عن زلات الآخرين تكرما ، وفعلهم هذا إحسان ظاهر ومن هنا بشروا بحب الله تعالى لهم فقال تعالى (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) كما هو تشجيع على الإحسان وملازمته في القول والعمل وقوله : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) وصف لهم بملازمة ذكر الله وعدم الغفلة ، ولذا إذا فعلوا فاحشة ذنبا كبيرا أو ظلموا أنفسهم بذنب (٤) دون الفاحش ذكروا وعيد الله تعالى ونهيه عما فعلوا فبادروا الى التوبة وهى الاقلاع عن الذنب والندم عن الفعل والعزم على عدم العودة إليه ، واستغفار الله تعالى منه. وقوله تعالى (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٥) وصف لهم بعدم الإصرار أى المواظبة على الذنب وعدم تركه وهم يعلمون أنه ذنب ناتج عن تركهم لواجب ، أو فعلهم لحرام ، وأما الآية الرابعة (١٣٦) فقد تضمنت بيان جزائهم على إيمانهم وتقواهم وما اتصفوا به من كمالات نفسية ، وطهارة روحية الا وهو مغفرة ذنوبهم كل ذنوبهم
__________________
(١) ذكر العرض ولم يذكر الطول لأنّ الطول لا يدل على العرض أمّا العرض فإنه يدل على الطول ، فطول كل شيء بحسب عرضه ، وعرض السموات معناه كعرض السموات فلو أخذت السموات ، سماء بعد سماء ، والأرضون وألصقت ببعضها كان عرض الجنّة كذلك هذا الذي عليه أهل التفسير من السلف ، قال الزهري أمّا طولها فلا يعلمه إلّا الله.
(٢) ورد في كظم الغيظ أحاديث منها : «ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
(٣) ورد في فضل العفو أحاديث كثيرة منها : «من سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه ويعط من حرمه ويصل من قطعه» رواه الحاكم وصححه .. ومنها قوله صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث أقسم عليهن : ما نقص مال من صدقة وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزا ومن تواضع لله رفعه الله».
(٤) في الصحيحين : قال عثمان أنّه توضأ لهم وضوء النبي صلىاللهعليهوسلم ثم قال : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه».
(٥) أي أنّ من تاب تاب الله عليه هكذا روي عن مجاهد ولا يتنافي مع ما فسرنا به الآية وورد «ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرّة».