ورونق وذلك إذا تكلم في أمور الحياة الدنيا بخلاف أمور الآخرة فإنه يجهلها وليس له دافع ليقول فيها لأنه كافر ، وعند ما يحدث يشهد الله أنه يعتقد ما يقول فيقول للرسول صلىاللهعليهوسلم يعلم الله أني مؤمن وأني احبك ، ويشهد الله أني كذا ... وإذا قام من مجلسك وانصرف عنك (سَعى) (١) (فِي الْأَرْضِ) أي مشى فيها بالفساد ليهلك الحرث والنسل بارتكاب عظائم الجرائم فيمنع المطر وتيبس المحاصيل الزراعية وتمحل الأرض وتموت البهائم وينقطع النسل وعمله هذا مبغوض لله تعالى فلا يحبه ولا يحب فاعله. كما أخبر تعالى أن هذا المنافق إذا أمر بمعروف أو نهي عن منكر فقيل له اتق الله لا تفعل كذا او اترك كذا تأخذه الأنفة والحمية بسبب ذنوبه التي هو متلبس بها فلا يتقي الله ولا يتوب إليه فيكفيه جزاء على نفاقه وشره وفساده جهنم يمتهدها فراشا لا يبرح منها أبدا ولبئس المهاد جهنم.
كما يخبر تعالى عن المؤمن الصادق فيقول من الناس رجل مؤمن صادق الإيمان باع نفسه وماله لله تعالى طلبا لمرضاته والحياة في جواره في الجنة دار السّلام فقال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) رحيم بهم.
قيل أن الرجل المنافق الذي تضمنت الحديث عنه الآيات الثلاثة الأولى هو الأخنس (٢) بن شريق ، وأن الرجل المؤمن الذي تضمنت الحديث عنه الآية الرابعة (٢٠٧) هو صهيب بن سنان الرومي أبو يحيى إذ المشركون لما علموا به أنه سيهاجر إلى المدينة ليلحق بالرسول صلىاللهعليهوسلم وأصحابه قالوا لن تذهب بنفسك ومالك لمحمد فلن نسمح لك بالهجرة إلا إذا أعطيتنا مالك كله فاعطاهم كل ما يملك وهاجر فلما وصل المدينة ورآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال له : ربح البيع أبا يحيى ربح البيع. والآيات وإن نزلت في شأن الأخنس وصهيب فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالأخنس مثل سوء لكل من يتصف بصفاته ، وصهيب مثل الخير والكمال لكل من يتصف بصفاته.
__________________
(١) السعي : المشي الحثيث ويطلق على الكسب والعمل ، قال تعالى : (مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها).
(٢) إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فقد روى ابن كثير عن نوف البكالي قوله : إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل ، قوم يحتالون على الدنيا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمرّ من الصبر يلبسون للناس مسوك الضأن وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله تعالى : عليّ يجترؤون وبي يغترون حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران وذكر : (وَمِنَ النَّاسِ ...) الآية.