بل من الممكن أن يُقال : إنّه ليس في نواميس العدل ما يحتّم ترتيب أجر على إقامة الواجب وترك المحرّم ، زائداً على ما منح به من الحياة والعقل والعافية ومُؤن الحيات ، ومعدّات العمل ، والنجاة من النار في الآخرة ، بل إنّ كلًّا من هاتيك النعم الجزيلة يصغر عنه صالحات العبد جمعاء ، وليس هناك إلّا الفضل.
وهذا الذي يستفاد من غير واحد من آيات الكتاب العزيز ، نظير قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) سورة الدخان (١) ، فكلّ ما هناك من النعيم والمثوبات إنّما هو بفضله وإحسانه سبحانه وتعالى.
قال الفخر الرازي في تفسيره ٧ : ٤٥٩ : احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ الثواب يحصل تفضّلاً من الله تعالى لا بطريق الاستحقاق ، لأنّه تعالى لَمّا عدد أقسام ثواب المتّقين بيّن أنّها بأسرها إنّما حصلت على سبيل الفضل والإحسان من الله تعالى ... ثمّ قال تعالى : (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، واحتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ التفضيل أعلى درجة من الثواب المستحق ، فإنّه
__________________
(١) الدخان : ٥١ ـ ٥٧.