تكلف منهم وتوهم لما لا طريق لهم إلى معرفة ماهيته وكيفيته ، لأجل كون العقل جاريا مجرى السمع والبصر وما أشبههما مما يعلم ولا يتوهم ، ومع ذلك فلو صح قولهم لما جاز أن يتفاضل العقلاء في العقل ؛ لأجل كون تلك العلوم فيهم بزعمهم على سواء ، والمعلوم خلاف ذلك ، ولأن العلوم الضرورية أكثر من عشرة ، وتخصيصهم لبعض منها دون غيره دعوى مبتدعة لا دليل على صحتها من عقل ولا سمع ولا قال بذلك أحد قبلهم ولا بعدهم إلا من قلدهم بغير دليل.
[قول الطبيعية في العقل]
والقول الخامس : قول من زعم من الطبيعية (١) إن العقل في الدماغ واحتجوا بكي الدماغ ، والذي يدل على بطلان ذلك ما تقدم ذكره من نصوص الكتاب والسنة على أن العقل في القلب ، ولذلك وصف الله سبحانه قلب من لم يستعمل عقله بالعمى ، وعماه هو ذهاب بصره ، وبصره هو العقل ، كما أن عمى العين [هو (٢)] ذهاب بصرها ، وأما كي الدماغ فأكثر الآلات الباطنة يكوى لأوجاعها في غيرها من ظاهر الجسم.
[قول المطرفية في العقل وإبطاله]
والقول السادس : قول المطرفية إن العقل هو القلب بناء على أصلهم الباطل ، وهو قولهم : إن صفة الجسم هي الجسم ، واحتجوا بقول الله سبحانه : (قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) (٣) [الحج : ٤٦] ، وقوله : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق : ٣٧] ، والذي يدل على بطلان قولهم إن العقل هو القلب وتحريفهم لمعنى الآيتين : هو عدم المخصص لقلب دون قلب فيلزمهم لأجل ذلك أن يعتقدوا (٤) أن الله سبحانه خاطب كل ذي قلب من الحيوانات ، ومعلوم
__________________
(١) ـ في (أ ، ج) : الطبعية.
(٢) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).
(٣) ـ في (ب) : (لهم قلوب لا يعقلون بها).
(٤) ـ في (أ) : أن يعتقدون.