وقبلوه كما تقبل القوابل والدايات أولاد الملوك بفاخر امور الدنيا وطيّبات روائحها ، من مناديل السندس والاستبرق ، وبالفرح والسرور ، ومرّوا به إلى الجنّة ، فيعاين من البهجة والسرور ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ويبقى معهم عالما درّاكا ما شاء ربّك عطاء غير مجذوذ ، ويتّصل بإخوانه المؤمنين في الدنيا أخباره وأحواله ، ويتراءى لهم في مناماتهم بالبشارة والسعادة وحسن المنقلب ؛ وإذا كان يوم القيامة الكبرى عرجت به ملائكة الرحمة إلى جنان النعيم والسرور المقيم ، (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [٤٤ / ٥٦] ، في (غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) [٣٩ / ٢٠] (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) [١٠ / ٩] ، (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [١٠ / ١٠]».
قال (١) :
«وأمّا الخزنة للجنان فيشبه أن يكون هم السكّان لها أيضا باعتبار آخر ، وذلك أنّه لمّا كان الخازن هو المتولّي لأحوال أبواب الخزانة بفتحها وتفريق ما فيها على مستحقّها ـ باذن ربّ الخزانة ومالكها ـ وغلقها ومنعها عن غير مستحقّها ، وكانت الملائكة هم المتولّون لإفاضة الكمالات ، وتفريق ضروب الإحسان والنعم على مستحقّها ، وحفظها ومنعها من غير مستحقّها والمستعدّ بالطاعة لها ـ باذن الله وحكمته ـ
__________________
(١) ـ شرح نهج البلاغة : ١ / ١٥٩.