تاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الامور.
فتبارك (١) الذي لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن ، وتعالى الذي ليس له وقت معدود ولا أجل ممدود ولا نعت محدود ، وسبحان الذي ليس له أوّل مبتدأ ، ولا غاية منتهى ، ولا آخر يفنى ؛
سبحانه ، هو كما وصف نفسه ، والواصفون لا يبلغون نعته.
حدّ الأشياء كلّها عند خلقه إبانة لها من شبهه ، وإبانة له من شبهها ؛
فلم يحلل فيها فيقال : «هو فيها كائن» ؛
ولم ينأ عنها فيقال : «هو منها بائن» ؛
ولم يخل منها فيقال له : «أين»؟ ؛
لكنّه ـ سبحانه ـ أحاط بها علمه ، وأتقنها صنعه ، وأحصاها حفظه.
لم يعزب عنه خفيّات غيوب الهواء ، ولا غوامض مكنون ظلم الدجى ، ولا ما في السماوات العلى إلى الأرضين السفلى ؛ لكلّ شيء منها حافظ ورقيب ، وكلّ شيء منها بشيء محيط ،
والمحيط بما أحاط منها الواحد الأحد الصمد ، الذي لا يغيّره صروف الأزمان ، ولا يتكادّه صنع شيء كان ؛ إنّما قال لما شاء : «كن» ، فكان.
ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ، ولا تعب ولا نصب ؛
__________________
(١) ـ كذا في النسخة ، ولكن في المصدرين : فتبارك الله الذي.