إياه أن يحرص عليه وأن لا يضحي به في سبيل آجل غير مضمون ليس أمرا فرضيا تقديريا ، بل لو أنه خلا بنفسه وبحث أغوارها في غير مخادعة لوجده مستقرا في أعماقها ولكنها تخفيه خوفا من الاتهام بالإلحاد والزندقة ، ولو أنها أمنت لتحدثت به في غير مواربة ولا خفاء ، وهذا هو حقيقة السر الذي جعلها تختار هذا العاجل القريب على المؤمل البعيد ، فهو متاع حاضر قد اشتدت رغبتها فيه وتعبت في تحصيله ، فكيف تطيب أن تبيعه بنسيئة ، لا في هذه الدنيا ولكن في دار أخرى لا تجيء إلا بعد فناء هذه الأجسام وقيامها من قبورها في نشأة أخرى. هذا ولو أنها جزمت بوجود هذا النعيم في العقبى لكنها لا تدري إن كانت ستكون من أهله أم لا ، فنصيبها منه غير مقطوع به ، بل هو في حيز الإمكان ، فكيف يقاس عندها بالحاصل الموجود الذي تحسه وتراه.
وهكذا استطاعت النفس من بين الشهوات والشبهات أن تؤلف هذه الأقيسة الباطلة وأن تستنتج منها هذه النتيجة الكاذبة ، وهي اختيار هذا العاجل والرضا به على المؤمل الموعود الذي لن يجيء إلا بعد زمان بعيد ، ثم وجدت من تأويلات الباطنية والفلاسفة لنصوص الوعد واعتقاد أنها أمور متخيلة لا حقيقة لها ما يناسب مرادها في الإنكار والجحود ، فجرت وراءها وتعللت بها لرقة دينها وضعف يقينها.
وهذا والله حال أغلب الناس وإن كانوا لا يتحدثون به ، ولكن أعمالهم وتصرفاتهم تشهد عليهم بما يكتمونه في صدورهم ، فإن الواحد منهم يدأب ليله ونهاره في عمل دنياه وخدمة جسده ، ولكنه يمل ويستثقل أن يطول عليه إمام في خطبة أو صلاة فلا حول ولا قوة إلا بالله.
* * *
وصغت إلى شبهات أهل الشرك وال |
|
تعطيل مع نقص من العرفان |
واستنقصت أهل الهدى ورأيتهم |
|
في الناس كالغرباء في البلدان |
ورأت عقول الناس دائرة على |
|
جمع الحطام وخدمة السلطان |