فَتَنَاوَلَ حَجَراً ـ فَرَمَى بِهِ إِلَى ذِي الْقَرْنَيْنِ ، كَأَنَّهُ حَجَرٌ أَوْ شِبْهُ حَجَرٍ أَوْ هُوَ حَجَرٌ ، فَقَالَ يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ خُذْهَا فَإِنْ جَاعَ جُعْتَ ، وَإِنْ شَبِعَ شَبِعْتَ فَارْجِعْ ، فَرَجَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِذَلِكَ الْحَجَرِ ـ حَتَّى خَرَجَ بِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ ، فَأَخْبَرَهُمْ بِالطَّيْرِ وَمَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَمَا قَالَ لَهُ ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ ـ وَأَخْبَرَهُمْ بِصَاحِبِ السَّطْحِ وَمَا قَالَ لَهُ وَمَا أَعْطَاهُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : إِنَّهُ أَعْطَانِي هَذَا الْحَجَرَ ـ وَقَالَ لِي إِنْ جَاعَ جُعْتَ ، وَإِنْ شَبِعَ شَبِعْتَ ، وَقَالَ : أَخْبِرُونِي بِأَمْرِ هَذَا الْحَجَرِ ، فَوَضَعَ الْحَجَرَ فِي إِحْدَى الْكِفَّتَيْنِ ـ وَوَضَعَ حَجَراً مِثْلَهُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى ، ثُمَّ رَفَعُوا الْمِيزَانَ ـ فَإِذَا الْحَجَرُ الَّذِي جَاءَ بِهِ أَرْجَحُ بِمِثْلِ الْآخَرِ ، فَوَضَعُوا آخَرَ فَمَالَ بِهِ ـ حَتَّى وَضَعُوا أَلْفَ حَجَرٍ كُلُّهَا مِثْلُهُ ، ثُمَّ رَفَعُوا الْمِيزَانَ فَمَالَ بِهَا ـ وَلَمْ يَسْتَمِلْ بِهِ الْأَلْفُ حَجَرٍ ، وَقَالُوا : يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ لَا عِلْمَ لَنَا بِهَذَا ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ـ إِنَّكَ تَسْأَلُ هَؤُلَاءِ عَمَّا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ ، وَقَدْ أُوتِيتُ عِلْمَ هَذَا الْحَجَرِ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : فَأَخْبِرْنَا بِهِ وَبَيِّنْهُ لَنَا ، فَتَنَاوَلَ الْخَضِرُ الْمِيزَانَ ـ فَوَضَعَ الْحَجَرَ الَّذِي جَاءَ بِهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ ، ثُمَّ وَضَعَ حَجَراً آخَرَ فِي كِفَّةٍ أُخْرَى ـ ثُمَّ وَضَعَ كِفَّةَ تُرَابٍ (١) عَلَى حَجَرِ ذِي الْقَرْنَيْنِ يَزِيدُهُ ثِقْلاً ، ثُمَّ رَفَعَ الْمِيزَانَ فَاعْتَدَلَ ـ وَعَجِبُوا وَخَرُّوا سُجَّداً لِلَّهِ ، وَقَالُوا : أَيُّهَا الْمَلِكُ ـ هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُنَا ، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ الْخَضِرَ لَيْسَ بِسَاحِرٍ فَكَيْفَ هَذَا وَقَدْ وَضَعْنَا مَعَهُ أَلْفَ حَجَرٍ كُلُّهَا مِثْلُهُ فَمَالَ بِهَا ، وَهَذَا قَدِ اعْتَدَلَ بِهِ وَزَادَهُ تُرَاباً ـ قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : بَيِّنْ يَا خَضِرُ لَنَا ـ أَمْرَ هَذَا الْحَجَرِ.
قَالَ الْخَضِرُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ـ إِنَّ أَمْرَ اللهِ نَافِذٌ فِي عِبَادِهِ ، وَسُلْطَانَهُ قَاهِرٌ ، وَحُكْمَهُ فَاصِلٌ : وَإِنَّ اللهَ ابْتَلَى عِبَادَهُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ، وَابْتَلَى الْعَالِمَ بِالْعَالِمِ ، وَالْجَاهِلَ بِالْجَاهِلِ ، وَالْعَالِمَ بِالْجَاهِلِ ، وَالْجَاهِلَ بِالْعَالِمِ ، وَأَنَّهُ ابْتَلانِي بِكَ وَابْتَلَاكَ بِي ، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : يَرْحَمُكَ اللهُ يَا خَضِرُ إِنَّمَا تَقُولُ ابْتَلَانِي بِكَ حِينَ جُعِلْتَ أَعْلَمَ مِنِّي ، وَجُعِلْتَ تَحْتَ يَدَيَّ ، أَخْبِرْنِي يَرْحَمُكَ اللهُ عَنْ أَمْرِ هَذَا الْحَجَرِ ، فَقَالَ الْخَضِرُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ـ إِنَّ هَذَا الْحَجَرَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَكَ صَاحِبُ الصُّورِ ، يَقُولُ : إِنَّ مِثْلَ بَنِي آدَمَ مِثْلُ هَذَا الْحَجَرِ الَّذِي وُضِعَ وَوُضِعَ مَعَهُ أَلْفُ حَجَرٍ فَمَالَ بِهَا ، ثُمَّ إِذَا وُضِعَ عَلَيْهِ التُّرَابُ شَبِعَ
__________________
(١) في نسخة «كفّا من تراب».