إِنَّ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ عَيْناً تُدْعَى عَيْنَ الْحَيَاةِ ، فِيهَا عَزِيمَةٌ مِنَ اللهِ أَنَّهُ مَنْ يَشْرَبْ مِنْهَا لَمْ يَمُتْ ـ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ اللهَ الْمَوْتَ ، فَإِنْ ظَفِرْتَ بِهَا تَعِيشُ مَا شِئْتَ ، قَالَ : وَأَيْنَ تِلْكَ الْعَيْنُ وَهَلْ تَعْرِفُهَا قَالَ : لَا ، غَيْرَ أَنَّا نَتَحَدَّثُ فِي السَّمَاءِ ـ أَنَّ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ ظُلْمَةً لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلَا جَانٌ (١) ، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : وَأَيْنَ تِلْكَ الظُّلْمَةُ قَالَ رَفَائِيلُ : مَا أَدْرِي ، ثُمَّ صَعِدَ رَفَائِيلُ.
فَدَخَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ حُزْنٌ طَوِيلٌ مِنْ قَوْلِ رَفَائِيلَ وَمِمَّا أَخْبَرَهُ عَنِ الْعَيْنِ وَالظَّلْمَةِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِعِلْمٍ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْهُمَا ، فَجَمَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فُقَهَاءَ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ وَعُلَمَاءَهُمْ ـ وَأَهْلَ دِرَاسَةِ الْكُتُبِ وَآثَارِ النُّبُوَّةِ ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : يَا مَعْشَرَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلَ الْكُتُبِ وَآثَارِ النُّبُوَّةِ ـ هَلْ وَجَدْتُمْ فِيمَا قَرَأْتُمْ مِنْ كُتُبِ اللهِ ـ أَوْ فِي كُتُبِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمُلُوكِ ـ أَنَّ لِلَّهِ عَيْناً تُدْعَى عَيْنَ الْحَيَاةِ فِيهَا مِنَ اللهِ عَزِيمَةٌ أَنَّهُ مَنْ يَشْرَبْ مِنْهَا لَمْ يَمُتْ ـ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ اللهَ الْمَوْتَ قَالُوا : لَا يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ ـ قَالَ : فَهَلْ وَجَدْتُمْ فِيمَا قَرَأْتُمْ مِنَ الْكُتُبِ ـ أَنَّ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ ظُلْمَةً لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ قَالُوا : لَا يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ ـ فَحَزِنَ عَلَيْهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ حُزْناً شَدِيداً وَبَكَى ، إِذْ لَمْ يُخْبَرْ عَنِ الْعَيْنِ وَالظُّلْمَةِ بِمَا يُحِبُّ.
وَكَانَ فِيمَنْ حَضَرَهُ غُلَامٌ مِنَ الْغِلْمَانِ ـ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْصِيَاءِ أَوْصِيَاءِ الْأَنْبِيَاءِ ـ وَكَانَ سَاكِتاً لَا يَتَكَلَّمُ ـ حَتَّى إِذَا أَيِسَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْهُمْ ـ قَالَ لَهُ الْغُلَامُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ـ إِنَّكَ تَسْأَلُ هَؤُلَاءِ عَنْ أَمْرٍ لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ، وَعُلْمُ مَا تُرِيدُ عِنْدِي ـ فَفَرِحَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَرَحاً شَدِيداً حَتَّى نَزَلَ عَنْ فِرَاشِهِ ، وَقَالَ لَهُ : ادْنُ مِنِّي ، فَدَنَا مِنْهُ ـ فَقَالَ : أَخْبِرْنِي فَقَالَ : نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ ـ إِنِّي وَجَدْتُ فِي كِتَابِ آدَمَ الَّذِي كُتِبَ يَوْمَ سُمِّيَ لَهُ مَا فِي الْأَرْضِ ـ مِنْ عَيْنٍ أَوْ شَجَرٍ ، فَوَجَدْتُ فِيهِ أَنَّ لِلَّهِ عَيْناً تُدْعَى عَيْنَ الْحَيَاةِ ، فِيهَا مِنَ اللهِ عَزِيمَةٌ أَنَّهُ مِنْ يَشْرَبْ مِنْهَا لَمْ يَمُتْ ـ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ اللهَ الْمَوْتَ ـ بِظُلْمَةٍ لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ، فَفَرِحَ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَقَالَ : ادْنُ مِنِّي يَا أَيُّهَا الْغُلَامُ ـ تَدْرِي أَيْنَ مَوْضِعُهَا قَالَ : نَعَمْ ، وَجَدْتُ
__________________
(١) وفي المحكيّ عن العرائس زيادة وهي : «فنحن نظنّ أن تلك العين في تلك الظّلمة».