اسْتَجْرَرْتَ بِهَا غَضَبِي ، وَاسْتَوْجَبْتَ بِهَا أَدَبِي وَنُزُولَ عُقُوبَتِي ـ وَبَلْوَايَ عَلَيْكَ وَعَلَى وُلْدِكَ يَا يَعْقُوبُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنْ أَحَبَّ أَنْبِيَائِي إِلَيَّ وَأَكْرَمَهُمْ عَلَيَّ ـ مَنْ رَحِمَ مَسَاكِينَ عِبَادِي ، وَقَرَّبَهُمْ إِلَيْهِ وَأَطْعَمَهُمْ ـ وَكَانَ لَهُمْ مَأْوًى وَمَلْجَأً ، يَا يَعْقُوبُ أَمَا رَحِمْتَ ذِمْيَالَ (١) عَبْدِيَ ـ الْمُجْتَهِدَ فِي عِبَادَتِي ، الْقَانِعَ بِالْيَسِيرِ مِنْ ظَاهِرِ الدُّنْيَا ـ عِشَاءَ أَمْسِ لَمَّا اعْتَرَّ بِبَابِكَ عِنْدَ أَوَانِ إِفْطَارِهِ ـ يَهْتِفُ بِكُمْ : أَطْعِمُوا السَّائِلَ الْغَرِيبَ الْمُجْتَازَ ـ فَلَمْ تُطْعِمُوهُ شَيْئاً ، وَاسْتَرْجَعَ وَاسْتَعْبَرَ وَشَكَا مَا بِهِ إِلَيَّ ، وَبَاتَ طَاوِياً حَامِداً صَابِراً وَأَصْبَحَ لِي صَائِماً ، وَبِتَّ يَا يَعْقُوبُ وَوُلْدُكَ لَيْلَكُمْ شِبَاعاً ـ وَأَصْبَحْتُمْ وَعِنْدَكُمْ فَضْلَةٌ مِنْ طَعَامِكُمْ وَمَا عَلِمْتَ يَا يَعْقُوبُ إِنِّي بِالْعُقُوبَةِ وَالْبَلْوَى إِلَى أَوْلِيَائِي ـ أَسْرَعُ مِنِّي بِهَا إِلَى أَعْدَائِي وَذَلِكَ مِنِّي حُسْنُ نَظَرٍ لِأَوْلِيَائِي ، وَاسْتِدْرَاجٌ مِنِّي لِأَعْدَائِي ، أَمَا وَعِزَّتِي لَأُنْزِلَنَّ بِكَ بَلْوَايَ وَلَأَجْعَلَنَّكَ وَوُلْدَكَ غَرَضاً لِمُصَابِي ـ وَلَأُؤَدِّبَنَّكَ بِعُقُوبَتِي ، فَاسْتَعِدُّوا لِبَلَايَ وَارْضَوْا بِقَضَائِي وَاصْبِرُوا لِلْمَصَائِبِ.
قَالَ أَبُو حَمْزَةَ : فَقُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع : مَتَى رَأَى يُوسُفُ الرُّؤْيَا فَقَالَ : فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي بَاتَ فِيهَا يَعْقُوبُ وَوُلْدُهُ شِبَاعاً ، وَبَاتَ فِيهَا ذِمْيَالُ جَائِعاً رَائِهاً (٢) فَأَصْبَحَ فَقَصَّهَا عَلَى يَعْقُوبَ مِنَ الْغَدِ ـ فَاغْتَمَّ يَعْقُوبُ لَمَّا سَمِعَ مِنْ يُوسُفَ الرُّؤْيَا ـ مَعَ مَا أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنِ اسْتَعِدَّ لِلْبَلَاءِ ، فَقَالَ لِيُوسُفَ : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ) هَذِهِ (عَلى إِخْوَتِكَ) فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكِيدُوكَ ، فَلَمْ يَكْتُمْ يُوسُفُ رُؤْيَاهُ وَقَصَّهَا عَلَى إِخْوَتِهِ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع فَكَانَ أَوَّلَ بَلْوَى نَزَلَتْ بِيَعْقُوبَ وَآلِهِ الْحَسَدُ لِيُوسُفَ لَمَّا سَمِعُوا مِنْهُ الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا ، قَالَ : وَاشْتَدَّ رِقَّةُ يَعْقُوبَ عَلَى يُوسُفَ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ مَا أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْبَلَاءِ إِنَّمَا ذَلِكَ فِي يُوسُفَ فَاشْتَدَّتْ رِقَّتُهُ عَلَيْهِ ، وَخَافَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ الْبَلَاءُ فِي يُوسُفَ مِنْ بَيْنِ وُلْدِهِ فَلَمَّا أَنْ رَأَوْا إِخْوَةَ يُوسُفَ مَا يَصْنَعُ يَعْقُوبُ بِيُوسُفَ مِنْ إِكْرَامِهِ وَإِيثَارِهِ إِيَّاهُ عَلَيْهِمْ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَابْتَدَأَ الْبَلَاءُ فِيهِمْ ـ فَتَآمَرُوا (٣) فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا : إِنَّ يُوسُفَ
__________________
(١) اسم ذلك الرّجل.
(٢) أيْ مضطربا.
(٣) أيْ تشاوروا.