إِلَى قَوْمِكَ ـ لِتَكُونَ حَيْطاً عَلَيْهِمْ (١) تَعْطِفُ عَلَيْهِمْ لِسَخَاءِ (٢) الرَّحْمَةِ الْمَاسَّةِ مِنْهُمْ ، وَتَأَنَّاهُمْ بِرَأْفَةِ النُّبُوَّةِ ـ فَاصْبِرْ مَعَهُمْ بِأَحْلَامِ الرِّسَالَةِ ، وَتَكُونُ لَهُمْ كَهَيْئَةِ الطَّبِيبِ الْمُدَاوِي الْعَالِمِ ـ بِمُدَاوَاةِ الدَّوَاءِ ، فَخَرَقْتَ بِهِمْ (٣) وَلَمْ تَسْتَعْمِلْ قُلُوبَهُمْ بِالرِّفْقِ ـ وَلَمْ تَسُسْهُمْ بِسِيَاسَةِ الْمُرْسَلِينَ ، ثُمَّ سَأَلْتَنِي عَنْ سُوءِ نَظَرِكَ الْعَذَابَ لَهُمْ ـ عِنْدَ قِلَّةِ الصَّبْرِ مِنْكَ ـ وَعَبْدِي نُوحٌ كَانَ أَصْبَرَ مِنْكَ عَلَى قَوْمِهِ ، وَأَحْسَنَ صُحْبَةً وَأَشَدَّ تَأَنِّياً فِي الصَّبْرِ عِنْدِي ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ فَغَضِبْتُ لَهُ حِينَ غَضِبَ لِي ، وَأَجَبْتُهُ حِينَ دَعَانِي.
فَقَالَ يُونُسُ : يَا رَبِّ إِنَّمَا غَضِبْتُ عَلَيْهِمْ فِيكَ ، وَإِنَّمَا دَعَوْتُ عَلَيْهِمْ حِينَ عَصَوْكَ فَوَ عِزَّتِكَ لَا أَتَعَطَّفُ عَلَيْهِمْ بِرَأْفَةٍ أَبَداً ـ وَلَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بِنَصِيحَةِ شَفِيقٍ بَعْدَ كُفْرِهِمْ ـ وَتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ ، وَجَحْدِهِمْ نُبُوَّتِي ، فَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ عَذَابَكَ فَإِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَبَداً.
فَقَالَ اللهُ : يَا يُونُسُ إِنَّهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ (أَوْ يَزِيدُونَ) مِنْ خَلْقِي ـ يَعْمُرُونَ بِلَادِي وَيَلِدُونَ عِبَادِي وَمَحَبَّتِي ـ أَنْ أَتَأَنَّاهُمْ لِلَّذِي سَبَقَ مِنْ عِلْمِي فِيهِمْ وَفِيكَ ، وَتَقْدِيرِي وَتَدْبِيرِي غَيْرِ عِلْمِكَ وَتَقْدِيرِكَ ، وَأَنْتَ الْمُرْسَلُ وَأَنَا الرَّبُّ الْحَكِيمُ ـ وَعِلْمِي فِيهِمْ يَا يُونُسُ بَاطِنٌ فِي الْغَيْبِ عِنْدِي لَا يَعْلَمُ مَا مُنْتَهَاهُ ، وَعِلْمُكَ فِيهِمْ ظَاهِرٌ لَا بَاطِنَ لَهُ ، يَا يُونُسُ قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا سَأَلْتَ ـ مِنْ إِنْزَالِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ ـ وَمَا ذَلِكَ يَا يُونُسُ بِأَوْفَرِ لَحْظِكَ عِنْدِي ، وَلَا أَجْمَلَ لِشَأْنِكَ ، وَسَيَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ـ فِي شَوَّالٍ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَسَطَ الشَّهْرِ ـ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ـ فَأَعْلِمْهُمْ ذَلِكَ.
قَالَ فَسَرَّ ذَلِكَ يُونُسَ وَلَمْ يَسُؤْهُ وَلَمْ يَدْرِ مَا عَاقِبَتُهُ ـ وَانْطَلَقَ يُونُسُ إِلَى تَنُّوخَا الْعَابِدِ
__________________
(١) وفي نسخة الصّافي «حفيظا عليهم».
(٢) وفي نسخة الصّافي «لسجال الرّحمة» والسجل كفسل : الدّلو العظيمة إذا كان فيها ماء قل أو كثر وهو مذكّر ولا يقال لها فارغة سجل وقولهم سجال عطيّتك من هذا المعنى.
(٣) وفي نسخة الصّافي «فخرجت بهم» وقوله فخرقت بهم أيّ لم تتصرّف فيهم حسن التّصرّف ويمكن أن يكون مصحف «حزقت» بالزاي المعجمة من حزق الوتر : جذبه وشدّه.