عن عاصم : «أأعجمي» بهمزتين ، والمعنى : أكتاب أعجميّ ونبيّ عربيّ؟! وهذا استفهام إنكار ؛ أي : لو كان كذلك لكان أشدّ لتكذيبهم. (قُلْ هُوَ) يعني القرآن (لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً) من الضّلالة (وَشِفاءٌ) للشّكوك والأوجاع. و«الوقر» : الصّمم ؛ فهم في ترك القبول بمنزلة من في أذنه صمم. (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) أي : ذو عمى. قال قتادة : صمّوا عن القرآن وعموا عنه ، (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي : إنهم لا يسمعون ولا يفهمون كالذي ينادى من بعيد.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) هذه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ والمعنى : كما آمن بكتابك قوم وكذّب به قوم. فكذلك كتاب موسى ، (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) في تأخير العذاب إلى أجل مسمّى وهو القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بالعذاب الواقع بالمكذّبين (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍ) من صدقك وكتابك ، (مُرِيبٍ) أي : موقع لهم الرّيبة.
(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨))
قوله تعالى : (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) سبب نزولها أنّ اليهود قالوا للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم : أخبرنا عن السّاعة إن كنت رسولا كما تزعم ، قاله مقاتل (١). ومعنى الآية : لا يعلم قيامها إلّا هو ، فإذا سئل عنها فعلمها مردود إليه. (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم : «من ثمرة». وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : «من ثمرات» على الجمع (مِنْ أَكْمامِها) أي : أوعيتها. قال ابن قتيبة : أي : من المواضع التي كانت فيها مستترة ، وغلاف كلّ شيء : كمّه ، وإنما قيل : كمّ القميص ، من هذا. قال الزّجّاج : الأكمام : ما غطّى ، وكلّ شجرة تخرج ما هو مكمّم فهي ذات أكمام ، وأكمام النّخلة : ما غطّى جمّارها من السّعف والليف والجذع ، وكلّ ما أخرجته النّخلة فهو ذو أكمام ، فالطّلعة كمّها قشرها ، ومن هذا قيل للقلنسوة : كمّة ، لأنها تغطّي الرأس ، ومن هذا كمّا القميص ، لأنهما يغطّيان اليدين.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي : ينادي الله تعالى المشركين (أَيْنَ شُرَكائِي) الذين كنتم تزعمون (قالُوا آذَنَّاكَ) قال الفرّاء ، وابن قتيبة : أعلمناك ، وقال مقاتل : أسمعناك (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) فيه قولان : أحدهما : أنه من قول المشركين ؛ والمعنى : ما منّا من شهيد بأنّ لك شريكا ، فيتبرّؤون يومئذ ممّا كانوا يقولون ، هذا قول مقاتل. والثاني : أنه من قول الآلهة التي كانت تعبد ؛ والمعنى : ما منّا من شهيد لهم بما قالوا ، قاله الفرّاء ، وابن قتيبة.
__________________
(١) باطل. عزاه المصنف لمقاتل ، وهو ممن يضع الحديث ، والمتن باطل فإن السورة مكية بإجماع ، وأخبار يهود وسؤالاتهم كانت في المدينة.