سورة النّاس
وفيها قولان : أحدهما : أنها مدنيّة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : أنها مكّيّة ، رواه أبو كريب عن ابن عباس.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦))
فإن قيل : لم خصّ الناس هاهنا بأنه ربّهم ، وهو ربّ كلّ شيء؟ فعنه جوابان جوابان : أحدهما : لأنهم معظّمون متميّزون على غيرهم. والثاني : لأنه لمّا أمر بالاستعاذة من شرّهم أعلم أنه ربّهم ، ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرّهم. ولمّا كان في الناس ملوك قال عزوجل : (مَلِكِ النَّاسِ) ولمّا كان فيهم من يعبد غيره قال عزوجل : (إِلهِ النَّاسِ). و (الْوَسْواسِ) الشيطان ، وهو (الْخَنَّاسِ) يوسوس في الصدور ، فإذا ذكر الله ، خنس ، أي : كفّ وأقصر. قال الزّجّاج : الوسواس هاهنا : ذو الوسواس. وقال ابن قتيبة : الصدور هاهنا : القلوب. قال ابن عباس : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل ، وسوس ، فإذا ذكر الله ، خنس.
قوله عزوجل : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) الجنّة : الجنّ. وفي معنى الآية قولان : أحدهما : يوسوس في صدور الناس جنّتهم وناسهم ، فسمّى الجنّ هاهنا ناسا ، كما سمّاهم رجالا في قوله عزوجل : (يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) وسمّاهم نفرا بقوله عزوجل : (اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) هذا قول الفرّاء. وعلى هذا القول يكون الوسواس موسوسا للجنّ ، كما يوسوس للإنس. والثاني : أنّ الوسواس : الذي يوسوس في صدور الناس ، هو من الجنّة ، وهم من الجنّ. والمعنى : من شرّ الوسواس الذي هو من الجنّ. ثم عطف قوله عزوجل : (وَالنَّاسِ) على (الْوَسْواسِ) والمعنى : من شرّ الوسواس ، ومن شرّ الناس كأنه أمر أن يستعيذ من الجنّ والإنس (١) ، وهذا قول الزّجّاج.
تمّ الكتاب بحمد الله ومنّه.
__________________
(١) فائدة : أخرج البخاري ٥٠١٦ ومسلم ٢١٩٢ ح ٥١ وأبو داود ٣٩٠٢ وأحمد ٦ / ١٨١ و ٢٥٦ و ٢٦٣ وابن حبان ٢٩٦٣ من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عليه بيده رجاء بركتهما.