كان هلاك أصحابه.
واختلفوا كم كان بين مولد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين هذه القصة على ثلاثة أقوال (١) : أحدها : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولد عام الفيل ، وهو الأصحّ. والثاني : كان بينهما ثلاث وعشرون سنة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثالث : أربعون سنة ، حكاه مقاتل.
قوله عزوجل : (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ) وهو ما أرادوا من تخريب الكعبة (فِي تَضْلِيلٍ) أي : في ذهاب. والمعنى : أنّ كيدهم ضلّ عمّا قصدوا له ، فلم يصلوا إلى مرادهم (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ).
وفي «الأبابيل» خمسة أقوال : أحدها : أنها المتفرّقة من هاهنا وهاهنا ، قاله ابن مسعود ، والأخفش. والثاني : أنها المتتابعة التي يتبع بعضها بعضا ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، ومقاتل. والثالث : الكثيرة ، قاله الحسن ، وطاوس. والرابع : أنها الجمع بعد الجمع ، قاله عطاء ، وأبو صالح ، وكذلك قال أبو عبيدة ، وابن قتيبة ، والزّجّاج : «الأبابيل» : جماعات في تفرقة. والخامس : المختلفة الألوان ، قاله زيد بن أسلم. قال الفرّاء ، وأبو عبيدة : «الأبابيل» لا واحد لها.
قوله عزوجل : (تَرْمِيهِمْ) وقرأ أبو عبد الرّحمن السّلمي وابن يعمر وحميد وأبو حنيفة «يرميهم» بالياء. وقد بيّنّا معنى «سجّيل» في هود (٢) ومعنى «العصف» في سورة الرّحمن (٣) عزوجل.
في معنى «مأكول» ثلاثة أقوال : أحدها : أن يكون أراد به أنه أخذ ما فيه من الحبّ فأكل ، وبقي هو لا حبّ فيه. والثاني : أن يكون أراد العصف مأكول البهائم ، كما يقال للحنطة : هذا المأكول ولمّا يؤكل. وللماء : هذا المشروب ولمّا يشرب ، يريد أنهما مما يؤكّل ويشرب ، ذكرهما ابن قتيبة. والثالث : أنّ المأكول هاهنا : الذي وقع فيه الأكّال. فالمعنى : جعلهم كورق الزّرع الذي جفّ وأكل : أي : وقع فيه الأكّال ، قاله الزّجّاج.
__________________
(١) قال الحافظ ابن كثير في «السيرة النبوية» ١ / ٢٠٣ : كون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولد عام الفيل هو قول الجمهور.
وانظر «الجامع لأحكام القرآن» ٦٤٧٦. وقال ابن كثير رحمهالله في «التفسير» ٤ / ٦٥٩ : سورة الفيل : هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود فأبادهم الله وأرغم آنافهم وخيّب سعيهم وأضلّ عملهم وردهم بشر خيبة ، وكانوا قوما نصارى ، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان ، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال ، ولسان حال القدر يقول : لم ننصركم يا معشر قريش لخيرتكم عليهم ، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثه النبي محمد صلىاللهعليهوسلم على خاتم الأنبياء.
(٢) هود : ٨٢.
(٣) الرحمن : ١٢.