سورة الفيل
وهي مكّيّة بإجماعهم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥))
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ) فيه قولان : أحدهما : ألم تخبر ، قاله الفرّاء. والثاني : ألم تعلم ، قاله الزّجّاج. ومعنى الكلام معنى التّعجب. وأصحاب الفيل هم الذين قصدوا تخريب الكعبة وفي سبب قصدهم لذلك قولان (١) : أحدهما : أنّ أبرهة بنى بيعة وقال : لست منتهيا حتى أضيف إليها حجّ العرب ، فسمع بذلك رجل من بني كنانة ، فخرج ، فدخلها ليلا ، فأحدث فيها ، فبلغ ذلك أبرهة ، فحلف ليسرنّ إلى الكعبة فيهدمها ، قاله ابن عباس. والثاني : أنّ قوما من قريش خرجوا في تجارة إلى أرض النّجاشي فنزلوا في جنب بيعة فأوقدوا نارا ، وشووا لحما ، فلمّا رحلوا هبّت الرّيح فاضطرم المكان نارا ، فغضب النّجاشي لأجل البيعة ، فقال له كبراء أصحابه ـ منهم حجر بن شراحيل ، وأبو يكسوم ـ : لا تحزن ، فنحن نهدم الكعبة ، قاله مقاتل. وقال ابن إسحاق : أبو يكسوم اسمه أبرهة بن الأشرم. وقيل : كان أبرهة صاحب جيشه وقيل : وزيره ، وحجر من قوّاده.
ذكر الإشارة إلى القصّة
ذكر أهل التفسير أنّ أبرهة لمّا سار بجنوده إلى الكعبة ليهدمها خرج معه بالفيل ، فلمّا دنا من مكّة أمر أصحابه بالغارة على نعم الناس ، فأصابوا إبلا لعبد المطّلب ، وبعث بعض جنوده ، فقال : سل عن شريف مكّة ، وأخبره أني لم آت لقتال ، وإنما جئت لأهدم هذا البيت ، فانطلق حتى دخل مكّة ، فلقي عبد المطّلب بن هاشم ، فقال : إنّ الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال إلّا أن تقاتلوه ، إنما جاء لهدم هذا البيت ، ثم ينصرف عنكم ، فقال عبد المطّلب : ما له عندنا قتال ، وما لنا به يد ، إنّا سنخلي بينه وبين ما جاء له ، فإنّ هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم عليهالسلام ، فإن يمنعه ، فهو بيته
__________________
(١) انظر قصة أصحاب الفيل في «دلائل النبوة» للبيهقي ١ / ٨٥ و«السيرة النبوية» لابن هشام ١ / ٤٣ و«تفسير السمرقندي» ٣ / ٥١٢ ـ ٥١٥ و«تفسير ابن كثير» ٤ / ٥٨٧ ـ ٥٩١ و«تفسير البغوي» ٤ / ٤٩٤ ـ ٤٩٧. و«الدر» ٦ / ٦٧٢ ـ ٦٧٦ وخبر أبرهة ومحاولته هدم الكعبة ، خبر مشهور بل متواتر وشهرته تغني عن الإسناد والله تعالى أعلم.