والثالث : أنه عامّ في كلّ والد وما ولد ، حكاه الزّجّاج.
قوله عزوجل : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) هذا جواب القسم. وفيمن عنى بالإنسان خمسة أقوال : أحدها : أنه اسم جنس ، وهو معنى قول ابن عباس. والثاني : أنه أبو الأشد الجمحي ، وقد سبق ذكره ، قاله الحسن.
(١٥٣٤) والثالث : أنه الحارث بن عامر بن نوفل ، وذلك أنه أذنب ذنبا ، فأمره النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالكفّارة ، فقال : لقد ذهب مالي في الكفّارات ، والنّفقات منذ دخلت في دين محمّد ، قاله مقاتل.
والرابع : آدم عليهالسلام ، قاله ابن زيد. والخامس : الوليد بن المغيرة ، حكاه الثّعلبيّ.
قوله عزوجل : (فِي كَبَدٍ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : في نصب ، رواه الوالبي عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو عبيدة ، وأنهم قالوا : في شدّة. قال الحسن : يكابد الشّكر على السّرّاء والصبر على الضّرّاء ، ولا يخلو من أحدهما ، ويكابد مصائب الدنيا ، وشدائد الآخرة. وقال ابن قتيبة : في شدّة غلبة ومكابدة لأمور الدنيا والآخرة ، فعلى هذا يكون من مكابدة الأمر ، وهي معاناته. والثاني : أنّ المعنى : خلق منتصبا يمشي على رجلين ، وسائر الحيوان غير منتصب ، رواه مقسم عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ، والضّحّاك ، وعطيّة ، والفرّاء ، فعلى هذا يكون معنى الكبد : الاستواء والاستقامة. والثالث : في وسط السماء ، قال ابن زيد (١) : (لقد خلقنا الإنسان) يعني : آدم (في كبد) أي : في وسط السماء.
قوله عزوجل : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) يعني الله عزوجل أي : أيحسب أن لن نقدر على بعثه ، ومعاقبته؟! (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) أي : كثيرا ، قال أبو عبيدة : هو فعل من التّلبّد ، وهو المال الكثير بعضه على بعض ، قال ابن قتيبة : وهو المال كان بعضه على بعض. قال الزّجّاج : وهو فعل للكثرة ، كما يقال : رجل حطم : إذا كان كثير الحطم. وقرأ أبو بكر الصّدّيق ، وعائشة ، وأبو عبد الرّحمن ، وقتادة ، وأبو العالية ، وأبو جعفر «لبّدا» بضمّ اللام ، وتشديد الباء مفتوحة. وقرأ عمر بن الخطّاب ، وأبو المتوكّل ، وأبو عمران «لبدا» برفع اللام وتسكين الباء خفيفة. وقرأ عثمان بن عفّان ، والحسن ، ومجاهد «لبدا» برفع اللام والباء وتخفيفهما. وقرأ عليّ بن أبي طالب وأبو الجوزاء «لبدا» بكسر اللام ، وفتح الباء مخفّفة. وفيما قال لأجل ذلك قولان : أحدهما : أنه أراد : أهلكت مالا كثيرا في عداوة محمّد صلىاللهعليهوسلم قاله ابن السّائب ، فكأنه استطال بما أنفق. والثاني : أنفقت في سبيل الله وفي الكفّارات مالا كثيرا ، قاله مقاتل. فكأنه ندم على ما أنفق.
قوله عزوجل : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) يعني الله عزوجل. والمعنى : أيظنّ أنّ الله لم ير نفقته ، ولم يحصها؟! وكان قد ادّعى إنفاق ما لم ينفق.
____________________________________
(١٥٣٤) عزاه المصنف لمقاتل ، وهو ساقط ، كذبه غير واحد ، فهذا خبر لا شيء.
__________________
يعني بالوالد : آدم ، وما ولد : ولده ، قال : وهذا الذي ذهب إليه مجاهد حسن قوي ، لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى وهي المساكن ، أقسم بعده بالساكن وهو آدم أبو البشر وولده.
(١) اسمه عبد الرحمن.