ترّاك أمكنة إذا لم أرضها |
|
أو يعتلق بعض النّفوس حمامها |
أراد : كلّ النّفوس. والثاني : أنها صلة ، والمعنى : يصبكم الذي يعدكم ، حكي عن اللّيث.
والثالث : أنها على أصلها ، ثم في ذلك قولان أحدهما : أنه وعدهم النّجاة إن آمنوا ، والهلاك إن كفروا ، فدخل ذكر البعض لأنهم على أحد الحالين. والثاني : أنه وعدهم على كفرهم الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة ، فصار هلاكهم في الدنيا بعض الوعد ، ذكرهما الماوردي.
قال الزّجّاج : هذا باب من النّظر يذهب فيه المناظر إلى إلزام الحجّة بأيسر ما في الأمر ، وليس في هذا نفي إصابة الكلّ ، ومثله قول الشاعر :
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته |
|
وقد يكون من المستعجل الزّلل (١) |
وإنما ذكر البعض ليوجب الكلّ ، لأنّ البعض من الكلّ ، ولكنّ القائل إذا قال : أقلّ ما يكون للمتأنّي إدراك بعض الحاجة ، وأقلّ ما يكون للمستعجل الزّلل ، فقد أبان فضل المتأنّي على المستعجل ، بما لا يقدر الخصم أن يدفعه ، فكأنّ المؤمن قال لهم : أقلّ ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم وفي بعض ذلك هلاككم ، قال : وأمّا بيت لبيد : فإنه أراد ببعض النّفوس : نفسه وحدها.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) أي : لا يوفّق للصّواب (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) وفيه قولان :
أحدهما : أنه المشرك ، قاله قتادة. والثاني : أنه السّفّاك الدّم ، قاله مجاهد.
قوله تعالى : (ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ) أي : عالين في أرض مصر (فَمَنْ يَنْصُرُنا) أي : من يمنعنا (مِنْ بَأْسِ اللهِ) أي : من عذابه ؛ والمعنى : لا تتعرّضوا للعذاب بالتّكذيب وقتل النّبيّ ؛ فقال فرعون عند ذلك : (ما أَراكُمْ) من الرّأي والنّصيحة (إِلَّا ما أَرى) لنفسي (وَما أَهْدِيكُمْ) أي : أدعوكم إلّا إلى طريق الهدى في تكذيب موسى والإيمان بي ، وهذا يدلّ على أنه انقطع عن جواب المؤمن. (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) قال الزّجّاج : أي : مثل يوم حزب حزب ؛ والمعنى : أخاف أن تقيموا على كفركم فينزل بكم من العذاب مثل ما نزل بالأمم المكذّبة رسلهم. قوله تعالى : (يَوْمَ التَّنادِ) قرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «التّناد» بغير ياء. وأثبت الياء في الوصل والوقف ابن كثير ، ويعقوب ، وافقهم أبو جعفر في الوصل. وقرأ أبو بكر الصّدّيق ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيّب ، وابن جبير ، وأبو العالية ، والضّحّاك : «التّنادّ» بتشديد الدال. قال الزّجّاج : أمّا إثبات الياء فهو الأصل ، وحذفها حسن جميل ، لأنّ الكسرة تدلّ على الياء ، وهو رأس آية ، وأواخر هذه الآيات على الدّال ، ومن قرأ بالتشديد ، فهو من قولهم : ندّ فلان ، وندّ البعير : إذا هرب على وجهه ، ويدلّ على هذا قوله : (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) وقوله تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) (٢) ؛ قال أبو عليّ : معنى الكلام : إنّي أخاف عليكم عذاب يوم التّناد. قال الضّحّاك : إذا سمع الناس زفير جهنّم وشهيقها ندّوا فرارا منها في الأرض ، فلا يتوجّهون قطرا من أقطار الأرض إلّا رأوا ملائكة ، فيرجعون من حيث جاءوا. وقال غيره : يؤمر بهم إلى النّار فيفرّون ولا عاصم لهم. فأمّا قراءة التخفيف ، فهي من النّداء ، وفيها للمفسّرين أربعة أقوال : أحدها : أنه عند نفخة الفزع ينادي الناس بعضهم بعضا.
__________________
(١) البيت للقطامي ، واسمه عمير.
(٢) عبس : ٣٤.