عذابا شاقا. يقال : تصعّدني الأمر : إذا شقّ عليّ. ومنه قول عمر : ما تصعّدني شيء ما تصعّدتني خطبة النّكاح. ونرى أصل هذا كلّه من الصّعود ، لأنه شاقّ ، فكني به عن المشقّات. وجاء في التفسير أنه جبل في النار يكلّف صعوده ، وسنذكره عند قوله عزوجل : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) (١) إن شاء الله تعالى.
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (٢٨))
قوله عزوجل : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) فيها أربعة أقوال : أحدها : أنها المساجد التي هي بيوت للصّلوات ، قاله ابن عباس. قال قتادة : كانت اليهود والنّصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا ، فأمر الله عزوجل المسلمين أن يخلصوا له إذا دخلوا مساجدهم. والثاني : الأعضاء التي يسجد عليها العبد ، قاله سعيد بن جبير ، وابن الأنباري ، وذكره الفرّاء. فيكون المعنى ، لا تسجدوا عليها لغيره. والثالث : أنّ المراد بالمساجد هاهنا : البقاع كلّها ، قاله الحسن. فيكون المعنى : أنّ الأرض كلّها مواضع للسجود ، فلا تسجدوا عليها لغير خالقها. والرابع : أنّ المساجد : السجود ، فإنها جمع مسجد. يقال : سجدت سجودا ، ومسجدا ، كما يقال : ضربت في الأرض ضربا ، ومضربا ، ثم يجمع ، فيقال : المساجد ، والمضارب. قال ابن قتيبة : فعلى هذا يكون واحدها : مسجدا ، بفتح الجيم. والمعنى : أخلصوا له ، ولا تسجدوا لغيره. ثم رجع إلى ذكر الجنّ فقال عزوجل : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) يعني محمّدا صلىاللهعليهوسلم (يَدْعُوهُ) أي : يعبده. وكان يصلي ببطن نخلة على ما سبق بيانه في الأحقاف (٢) (كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) قرأ الأكثرون : بكسر اللام ، وفتح الباء. وقرأ هشام عن ابن عامر ، وابن محيصن «لبدا» بضمّ اللام ، وفتح الباء مع تخفيفها. قال الفرّاء : ومعنى القراءتين واحد. يقال : لبدة ، ولبدة. قال الزّجّاج : والمعنى : كادوا يركب بعضهم بعضا. ومنه اشتقاق اللّبد الذي يفترش. وكلّ شيء أضفته إلى شيء فقد لبّدته. وقرأ قوم منهم الحسن ، والجحدريّ : «لبّدا» بضمّ اللام مع تشديد الباء. قال الفرّاء : فعلى هذه القراءة تكون صفة للرجال ، كقولك : ركّعا وركوعا ، وسجّدا وسجودا. وقال الزّجّاج : هو جمع لا بد ، مثل راكع ، وركّع.
وفي معنى الآية ثلاثة أقوال (٣) : أحدها : أنه من إخبار الله تعالى عن الجنّ يحكي حالهم.
__________________
(١) المدثر : ١٧.
(٢) الأحقاف : ٢٩.
(٣) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ١٢ / ٢٧٣ : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : ذلك خبر من الله عن أن رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم لما قام يدعوه كادت العرب تكون عليه جميعا في إطفاء نور الله.