الهمزة في هذه المواضع ابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ ، وخلف ، وحفص عن عاصم ، ووافقهم أبو جعفر في ثلاثة مواضع «وأنه تعالى» ، «وأنه كان يقول» ، «وأنه كان رجال» ، وكسر الباقيات. وقرأ الباقون بكسرهن. وقال الزجاج : والذي يختاره النحويون في هذه السورة أن ما كان من الوحي قيل فيه : «أن» بالفتح ، وما كان من قول الجن قيل : «إن» بالكسر ، معطوف على قوله عزوجل : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) وعلى هذا يكون المعنى : وقالوا : إنه تعالى جدّ ربّنا ، وقالوا : إنه كان يقول سفيهنا. فأما من فتح ، فذكر بعض النّحويين : يعني الفرّاء ، أنه معطوف على الهاء في قوله عزوجل : (فَآمَنَّا بِهِ) وبأنه تعالى جدّ ربّنا. وكذلك ما بعد هذا. وهذا رديء في القياس ، لا يعطف على الهاء المتمكّنة المخفوضة إلّا بإظهار الخافض. ولكن وجهه أن يكون محمولا على معنى آمنّا به ، فيكون المعنى : وصدّقنا أنه تعالى جدّ ربّنا.
وللمفسّرين في معنى (تَعالى جَدُّ رَبِّنا) سبعة أقوال : أحدها : قدرة ربّنا ، قاله ابن عباس. والثاني : غنى ربّنا ، قاله الحسن. والثالث : جلال ربّنا ، قاله مجاهد ، وعكرمة. والرابع : عظمة ربّنا ، قاله قتادة. والخامس : أمر ربّنا ، قاله السّدّيّ. والسادس : ارتفاع ذكره وعظمته ، قاله مقاتل. والسابع : ملك ربّنا وثناؤه وسلطانه ، قاله أبو عبيدة.
قوله : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) فيه قولان : أحدهما : أنه إبليس ، قاله مجاهد ، وقتادة. والثاني : أنه كفّارهم ، قاله مقاتل. و«الشّطط» : الجور ، والكذب ، وهو : وصفه بالشريك ، والولد ، ثم قالت الجنّ : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) وقرأ يعقوب : «أن لن تقوّل» بفتح القاف ، وتشديد الواو. والمعنى : ظنناهم صادقين في قولهم : لله صاحبة وولد ، وما ظننّاهم يكذبون حتى سمعنا القرآن ، يقول الله عزوجل : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) وذلك أنّ الرجل في الجاهلية كان إذا سافر فأمسى في قفر من الأرض قال : أعوذ بسيّد هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه ، فيبيت في جوار منهم حتى يصبح.
(١٤٩٢) ومنه حديث كردم بن أبي السّائب الأنصاري ، قال : خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة ، وذلك أول ما ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكّة ، فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف الليل جاء ذئب ، فأخذ حملا من الغنم ، فوثب الراعي فنادى : يا عامر الوادي جارك ، فنادى مناد لا نراه : يا سرحان أرسله. فإذا الحمل يشتدّ حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة ، فأنزل الله تعالى على رسوله صلىاللهعليهوسلم (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ) الآية.
____________________________________
(١٤٩٢) ضعيف جدا. أخرجه العقيلي ١ / ١٠١ وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية ، والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٣٦٤ من طريق فروة ثنا القاسم بن مالك عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري ، وإسناده ضعيف جدا ، فيه عبد الرحمن بن إسحاق ، وهو ضعيف متروك ، وأبوه إسحاق بن الحارث ، ضعفه أحمد وغيره ، ولم يرو عنه سوى ابنه. وقال ابن حبان : منكر الحديث ، فلا أدري التخليط منه أو من ابنه. وأخرجه الطبراني في «الكبير» ١٩ / ١٩١ ـ ١٩٢ وأبو الشيخ في «العظمة» ١١٢٢ من طريق القاسم بن مالك عن عبد الرحمن بن إسحاق به. وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧ / ١٢٩ وقال : وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ، وهو ضعيف. والظاهر أنه خفي عليه حال أبيه إسحاق ، وقد ضعفه أحمد وغيره كما نقل الذهبي في «الميزان» ١ / ١٨٩. الخلاصة : الإسناد ضعيف جدا ، والمتن منكر.