وقد فسّرنا أول هذه الآية في الأنعام (١). قال ابن عباس : هذه الآية في الكفّار ، فأمّا من آمن بأنه على كلّ شيء قدير ، فقد قدر الله حقّ قدره. ثم ذكر عظمته بقوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ).
(١٢٣٦) وقد أخرج البخاريّ ومسلم في «الصّحيحين» من حديث أبي هريرة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض؟».
(١٢٣٧) وأخرجا من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يطوي الله عزوجل السموات يوم القيامة ، ثم يأخذهنّ بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبّارون ، أين المتكبّرون؟». قال ابن عباس : الأرض والسموات كلّها بيمينه. وقال سعيد بن جبير : السموات قبضة والأرضون قبضة.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠))
قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ) وقرأ ابن السّميفع ، وابن يعمر ، والجحدريّ : «فصعق» بضمّ الصاد (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي : ماتوا من الفزع وشدّة الصّوت. وقد بيّنا هذه الآية والخلاف في الذين استثنوا في سورة النّمل (٢). (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى) وهي نفخة البعث (فَإِذا هُمْ) يعني الخلائق (قِيامٌ يَنْظُرُونَ). قوله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) أي : أضاءت. والمراد بالأرض : عرصات القيامة. قوله تعالى : (وَوُضِعَ الْكِتابُ) فيه قولان : أحدهما : كتاب الأعمال ، قاله قتادة ، ومقاتل. والثاني : الحساب ، قاله السّدّيّ. وفي الشهداء قولان : أحدهما : أنهم الذين يشهدون على الناس بأعمالهم ، قاله الجمهور. ثم فيهم أربعة أقوال : أحدها : أنهم المرسلون من الأنبياء. والثاني : أمّة محمّد يشهدون للرّسل بتبليغ الرّسالة ، وتكذيب الأمم إيّاهم ، رويا عن ابن عباس رضي الله عنه. والثالث : الحفظه ، قاله عطاء. الرابع : النّبيّون والملائكة وأمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم والجوارح ، قاله ابن زيد. والثاني : أنهم الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ، قاله قتادة ، والأول أصحّ. (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) أي : جزاء عملها (وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) أي : لا يحتاج إلى كاتب ولا شاهد.
____________________________________
(١٢٣٦) صحيح. أخرجه البخاري ٦٥١٩ ومسلم ٢٧٨٧ وأبو يعلى ٥٨٥٠ من طريق ابن المبارك به عن أبي هريرة.
وأخرجه البخاري ٧٣٨٢ والنسائي في «التفسير» ٤٧٥ وابن ماجة ١٩٢ من طريق ابن وهب عن يونس به.
وأخرجه البخاري ٤٨١٢ والدارمي ٢ / ٣٢٥ من طريقين عن الزهري : سمعت أبا سلمة ، سمعت أبا هريرة ...
(١٢٣٧) صحيح. أخرجه مسلم ٢٧٨٨ ح ٢٤ وأبو داود ٤٧٣٢ وأبو يعلى ٥٥٥٨ وابن أبي عاصم في «السنة» ٥٤٧ والطبري ٣٠٢٢٨ وأبو الشيخ في «العظمة» ١٣٩ من طرق عن أبي أسامة به. وذكره البخاري ٧٤١٣ تعليقا عن عمر بن حمزة به. وأخرجه مسلم ٢٧٨٨ وابن ماجة ١٩٨ و ٤٢٧٥ والطبري ٣٠٢٢٣ والطبراني ١٣٣٢٧ وأبو الشيخ في «العظمة» ١٣١ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ٧٢ ـ ٧٣ وابن حبان ٧٣٢٤ من طرق عن أبي حازم عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر به.
__________________
(١) الأنعام : ٩١.
(٢) النمل : ٨٧.