انْشُزُوا) قرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم «انشزوا فانشزوا» برفع الشين فيهما. وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : بكسر الشين فيهما. ومعنى «انشزوا» قوموا. قال الفرّاء : وهما لغتان. وفي المراد بهذا القيام خمسة أقوال (١) : أحدها : أنه القيام إلى الصّلاة ، وكان رجال يتثاقلون عنها ، فقيل لهم : إذا نودي للصلاة فانهضوا ، هذا قول عكرمة ، والضّحّاك. والثاني : أنه القيام إلى قتال العدو ، قاله الحسن. والثالث : أنه القيام إلى كلّ خير ، من قتال ، أو أمر بمعروف ، ونحو ذلك ، قاله مجاهد.
(١٤٠٣) والرابع : أنه الخروج من بيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أنهم كانوا إذا جلسوا في بيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أطالوا ليكون كلّ واحد منهم آخرهم عهدا به ، فأمروا أن ينشزوا إذا قيل لهم : انشزوا ، قاله ابن زيد. والخامس : أنّ المعنى : قوموا وتحرّكوا وتوسّعوا لإخوانكم ، قاله الثّعلبي.
قوله عزوجل : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أي : يرفعهم بإيمانهم على من ليس بمنزلتهم من أهل الإيمان (وَ) يرفع (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) على من ليس بعالم. وهل هذا الرفع في الدنيا ، أم في الآخرة؟ فيه وجهان : أحدهما : أنه إخبار عن ارتفاع درجاتهم في الجنّة. والثاني : أنه ارتفاع مجالسهم في الدنيا ، فيكون ترتيبهم فيها بحسب فضائلهم في الدّين والعلم. وكان ابن مسعود يقول : أيّها الناس : افهموا هذه الآية ولترغّبكم في العلم ، فإنّ الله يرفع المؤمن العالم فوق من لا يعلم درجات.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣))
قوله عزوجل : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) في سبب نزولها قولان.
(١٤٠٤) أحدهما : أنّ الناس سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى شقّوا عليه ، فأراد الله أن يخفّف عن نبيّه ،
____________________________________
(١٤٠٣) باطل ، أخرجه الطبري ٣٣٧٨٥ عن عبد الرحمن بن زيد ، وهذا معضل ، وابن زيد واه ، والمتن باطل.
(١٤٠٤) ضعيف. أخرجه ابن أبي حاتم كما في «أسباب النزول» للسيوطي ١٠٨٣ من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وإسناده ضعيف لانقطاعه بينهما.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٣٨٤ : وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال :
فمنهم من رخّص في ذلك محتجا بحديث : «قوموا إلى سيدكم» اه. والأولى ترك القيام لما فيه من مخالفات وذرائع ينبغي سدّها ذلك ، وكثير من أهل العلم يجعلونه حتما لازما على الطالب وإن كانوا لا يقولونه صريحا.
فإنهم يؤكدون ذلك على أنه من باب احترام وإجلال العلم ، والصواب أن نفوسهم هي التي تطلب ذلك. وقد شاهدت حادثة أذكرها ليتبين ويظهر الأمر جليا في ذلك. كنا في صف وعلى مقاعد الدراسة ، وكان حصة القرآن الكريم الطالب يتلو والشيخ يسمع. إذ دخل شيخ آخر كبير وبدل أن يبقى الجميع على ما هم عليه قام الجميع على حين غفلة احتراما للشيخ وكما تعلم هؤلاء الطلبة مما أدى إلى وقوع كتاب الله عزوجل على الأرض وأخذه الطالب وكأن شيئا لم يحصل فهذا القيام وفي مثل هذه الحال غير جائز بالإجماع والعالم الذي يرى الطالب ، وقد قام له أثناء تلاوة القرآن عليه أن ينهاه عن ذلك وإلا فهو آثم عند جميع الفقهاء وأهل العلم.
وقد أجمع أهل الحديث وعلم المصطلح على كراهة القيام لأحد أثناء تلاوة الحديث فكيف أثناء تلاوة القرآن؟!!. نسأل الله أن يبصرنا بعيوبنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.