«باب التّوفّي» في كتاب «النظائر». وذهب بعض العلماء إلى أنّ التّوفّي المذكور في حقّ النّائم هو نومه. وهذا اختيار الفرّاء وابن الأنباري ؛ فعلى هذا ، يكون معنى توفّي النّائم : قبض نفسه عن التصرّف ، وإرسالها : إطلاقها باليقظة للتّصرّف.
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤))
قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا) يعني كفّار مكّة (١). وفي المراد بالشّفعاء قولان : أحدهما : أنّها الأصنام ، زعموا أنها تشفع لهم في حاجاتهم ، قاله الأكثرون. والثاني : الملائكة ، قاله مقاتل.
(قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً) من الشّفاعة (وَلا يَعْقِلُونَ) أنّكم تعبدونهم؟! وجواب هذا الاستفهام محذوف ، تقديره : أولو كانوا بهذه الصّفة تتّخذونهم؟!.
(قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) أي : لا يملكها أحد إلّا بتمليكه ، ولا يشفع عنده أحد إلّا بإذنه.
(وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥) قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨))
قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : انقبضت عن التوحيد ، قاله ابن عباس ، ومجاهد. والثاني : استكبرت ، قاله قتادة. والثالث : نفرت ، قاله أبو عبيدة ، والزّجّاج. قوله تعالى : (إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) يعني الأصنام (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) يفرحون. وما بعد هذا قد تقدّم تفسيره (٢) إلى قوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ). قال السّدّيّ : ظنّوا أنّ أعمالهم حسنات ، فبدت لهم سيئات. وقال غيره : عملوا أعمالا ظنّوا أنّها تنفعهم ، فلم تنفع مع شركهم. قال مقاتل : ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا أنّه نازل بهم ؛ فهذا
__________________
الذي بنفسك. وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم مقابلا له في حديث زيد بن أسلم في حديث الوادي ـ متفق عليه ـ : «يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردّها إلينا في حين غير هذا»
(١) قال الطبري رحمهالله في «جامع البيان» ١١ / ١٠ : يقول تعالى ذكره : أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء تشفع لهم عند الله في حاجاتهم. وقوله : (قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم قل يا محمد لهم : أتتخذون هذه الآلهة شفعاء كما تزعمون ولو كانوا لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا ولا يعقلون شيئا ، قل لهم : إن تكونوا تعبدونها لذلك ، وتشفع لكم عند الله ، فأخلصوا عبادتكم لله. وأفردوه بالألوهة ، فإن الشفاعة جميعا له لا يشفع عنده إلا من أذن له ، ورضي له قولا ، وأنتم متى أخلصتم له العبادة ، فدعوتموه ، شفعكم (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فاعبدوا الذي له سلطان السموات والأرض وملكها ثم إلى الله مصيركم ، وهو معاقبكم على إشراككم به ، إن متم على شرككم.
(٢) البقرة : ١١٣ ، الأنعام : ١٤ ـ ٧٣ ، الرعد : ١٨.