سيف الله ، ونحو ذلك. وقوله : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ) أي : تسميته فاسقا أو كافرا وقد آمن ، (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) من التّنابز (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وفيه قولان : أحدهما : الضّارّون لأنفسهم بمعصيتهم ، قاله ابن عباس. والثاني : هم أظلم من الذين قالوا لهم ذلك ، قاله ابن زيد.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢))
قوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) قال ابن عباس : نهى الله تعالى المؤمن أن يظنّ بالمؤمن شرّا. وقال سعيد بن جبير : هو الرجل يسمع من أخيه كلاما لا يريد به سوءا ، أو يدخل مدخلا لا يريد به سوءا ، فيراه أخوه المسلم فيظنّ به سوءا. وقال الزّجّاج : هو أن يظنّ بأهل الخير سوءا. فأمّا أهل السوء والفسق ، فلنا أن نظنّ بهم مثل الذي ظهر منهم. قال القاضي أبو يعلى : هذه الآية تدلّ على أنه لم ينه عن جميع الظّنّ ؛ والظّنّ على أربعة أضرب. محظور ، ومأمور به ، ومباح ، ومندوب إليه ، فأمّا المحظور ، فهو سوء الظّنّ بالله تعالى ، والواجب : حسن الظّنّ بالله ، وكذلك سوء الظّنّ بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة محظور ، وأمّا الظّنّ المأمور به ، فهو ما لم ينصب عليه دليل يوصل إلى العلم به ، وقد تعبدنا بتنفيذ الحكم فيه ، والاقتصار على غالب الظّنّ ، وإجراء الحكم عليه واجب ، وذلك نحو ما تعبدنا به من قبول شهادة العدول ، وتحرّي القبلة ، وتقويم المستهلكات ، وأروش الجنايات التي لم يرد بمقاديرها توقيف ، فهذا وما كان من نظائره قد تعبّدنا فيه بأحكام غالب الظّنون. فأمّا الظّنّ المباح ، فكالشّاك في الصلاة إذا كان إماما ، أمره النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالتّحري والعمل على ما يغلب في ظنّه ، وإن فعله كان مباحا ، وإن عدل عنه إلى البناء على اليقين كان جائزا.
(١٣٣٠) وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا ظننتم فلا تحقّقوا» ، وهذا من الظّنّ الذي يعرض في قلب الإنسان في أخيه فيما يوجب الريبة ، فلا ينبغي له أن يحقّقه.
وأمّا الظّنّ المندوب إليه ، فهو إحسان الظّنّ بالأخ المسلم يندب إليه ويثاب عليه.
(١٣٣١) فأمّا ما روي في الحديث : «احترسوا من الناس بسوء الظّنّ» ، فالمراد : الاحتراس بحفظ المال ، مثل أن يقول : إن تركت بابي مفتوحا خشيت السّرّاق.
قوله تعالى : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) قال المفسّرون : هو ما تكلّم به ممّا ظنّه من السّوء بأخيه المسلم ، فإن لم يتكلّم به فلا بأس ، وذهب بعضهم إلى أنه يأثم بنفس ذلك الظّن وإن لم ينطق به. قوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا) وقرأ أبو رزين والحسن والضّحّاك وابن سيرين وأبو رجاء وابن يعمر : بالحاء. قال أبو عبيدة : التجسس والتّحسس واحد ، وهو التّبحّث ، ومنه الجاسوس. وروي عن يحيى بن أبي
____________________________________
(١٣٣٠) لم أره من حديث أبي هريرة. وورد من حديث حارثة بن النعمان ، أخرجه الطبراني ٣٢٢٧ وفيه إسماعيل بن قيس الأنصاري ، وهو ضعيف ، وبه أعله الهيثمي في «المجمع» ٨ / ٧٧. وورد من مرسل إسماعيل بن أمية ، أخرجه عبد الرزاق ١٩٥٠٤ فهو شاهد له.
(١٣٣١) ضعيف جدا ، أخرجه تمام في «فوائده» ١١٦٧ من حديث أنس ، وفيه أبان بن أبي عياش متروك ، وأخرجه الطبراني في «الأوسط» ٦٠٢ من وجه آخر ، وفيه معاوية الصدفي واه.