عباس ، وبه قال عطاء بن أبي رباح ، وعطاء الخراساني ، وابن أبي ليلى ، وابن جريج في آخرين. والثاني : فارس والرّوم ، قاله الحسن ، ورواه ابن أبي نجيج عن مجاهد. والثالث : أنهم أهل الأوثان ، رواه ليث عن مجاهد. والرابع : أنهم الرّوم ، قاله كعب. والخامس : أنهم هوازن وغطفان ، وذلك يوم حنين ، قاله سعيد بن جبير ، وقتادة. والسادس : بنو حنيفة يوم اليمامة ، وهم أصحاب مسيلمة الكذّاب ، قاله الزّهري ، وابن السّائب ، ومقاتل. قال مقاتل : خلافة أبي بكر في هذه بيّنة مؤكّدة. وقال رافع بن خديج : كنّا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعي أبو بكر إلى قتال بني حنيفة ، فعلمنا أنهم هم. وقال بعض أهل العلم : لا يجوز أن تكون هذه الآية إلّا في العرب ، لقوله : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) ، وفارس والرّوم إنّما يقاتلون حتى يسلموا أو يؤدّوا الجزية. وقد استدلّ جماعة من العلماء على صحّة إمامة أبي بكر وعمر بهذه الآية ، لأنه إن أريد بها بنو حنيفة ، فأبو بكر دعا إلى قتالهم ، وإن أريد بها فارس والرّوم ، فعمر دعا إلى قتالهم ، والآية تلزمهم اتّباع طاعة من يدعوهم ، وتتوعّدهم على التّخلّف بالعقاب. قال القاضي أبو يعلى : وهذا يدلّ على صحّة إمامتهما إذا كان المتولّي عن طاعتهما مستحقّا للعقاب. قوله تعالى : (فَإِنْ تُطِيعُوا) قال ابن جريج : فإن تطيعوا أبا بكر وعمر ، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) عن طاعتهما (كَما تَوَلَّيْتُمْ) عن طاعة محمّد صلىاللهعليهوسلم في المسير إلى الحديبية. وقال الزّجّاج : المعنى : إن تبتم وتركتم نفاقكم وجاهدتم ، يؤتكم الله أجرا حسنا ، وإن تولّيتم فأقمتم على نفاقكم ، وأعرضتم عن الإيمان والجهاد كما تولّيتم على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعذبكم عذابا أليما. قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) قال المفسّرون : عذر الله أهل الزّمانة الذين تخلّفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية. قوله تعالى : (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ) قرأ نافع ، وابن عامر : «ندخله» و«نعذّبه» بالنون فيهما ؛ والباقون : بالياء.
(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤))
ثم ذكر الذين أخلصوا نيّتهم وشهدوا بيعة الرّضوان بقوله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) وقد
____________________________________
أخبر عن هؤلاء المخلفين من الأعراب أنهم سيدعون إلى قتال قوم أولي بأس في القتال ، ونجدة في الحروب ، ولم يوضح لنا الدليل على أن المعني بذلك أعيان بأعيانهم.
ـ وقال ابن العربي رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ١٣٥ : وقوله تعالى : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) وهذا يدل على أنهم باليمامة لا بفارس ولا بالروم ، لأن الذي تعين عليه القتال حتى يسلم من غير قبول جزية هم العرب في أصح الأقوال والمرتدون. وأما فارس والروم فلا يقاتلون حتى يسلموا ، بل إن بذلوا الجزية قبلت منهم ، وجاءت الآية معجزة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وإخبارا بالغيب الآتي.