قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وحمزة ، وأبو جعفر ، والمفضّل عن عاصم ، وزيد عن يعقوب : «أمن» بالتخفيف ؛ وقرأ الباقون : بالتشديد. فأمّا المشدّدة ، فمعناها : أهذا الذي ذكرنا خير ، أمّن هو قانت؟ والأصل في «أمّن» : أم من ، فأدغمت الميم في الميم. وأمّا المخفّفة ، ففي تقديرها ثلاثة أوجه : أحدها : أنها بمعنى النداء. قال الفرّاء : فسّرها الذين قرءوا بها فقالوا : يا من هو قانت ، وهو وجه حسن ، والعرب تدعو بالألف كما تدعو بياء ، فيقولون : يا زيد أقبل ، و: أزيد أقبل ، فيكون المعنى : أنه ذكر النّاسي الكافر ، ثم قصّ قصّة الصّالح بالنّداء ، كما تقول : فلان لا يصوم ولا يصلّي ، فيا من يصوم أبشر. والثاني : أنّ تقديرها : أمن هو قانت كمن ليس بقانت؟! والثالث : أمن هو قانت كمن جعل لله أندادا؟!
وقد ذكرنا معنى القنوت في سورة البقرة (١) ومعنى (آناءَ اللَّيْلِ) في آل عمران (٢).
قوله تعالى : (ساجِداً وَقائِماً) يعني في الصلاة. وفيمن نزلت فيه هذه الآية خمسة أقوال (٣) : أحدها : أنه أبو بكر الصّدّيق ، رواه عطاء عن ابن عباس. والثاني : عثمان بن عفّان ، قاله ابن عمر. والثالث : عمّار بن ياسر ، قاله مقاتل. والرابع : ابن مسعود ، وعمّار ، وصهيب ، وأبو ذرّ ، قاله ابن السّائب. والخامس : أنه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ، حكاه يحيى بن سلام. قوله تعالى : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) أي : عذاب الآخرة. وقد قرأ ابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وابن عباس ، وعروة ، وسعيد بن جبير ، وأبو رجاء ، وأبو عمران : «يحذر عذاب الآخرة» بزيادة «عذاب». (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) فيها قولان : أحدهما : أنها المغفرة ، قاله ابن السّائب. والثاني : الجنّة ، قاله مقاتل.
قوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) أنّ ما وعد الله من الثّواب والعقاب حقّ (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ). وباقي الآية قد تقدّم في الرّعد (٤) ، وكذلك قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) قد تقدّم في النّحل (٥). وفي قوله : (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) قولان : أحدهما : أنه حثّ لهم على الهجرة من مكّة إلى حيث يأمنون. والثاني : أنها أرض الجنّة رغّبهم فيها. (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) الذين صبروا لأجل الله تعالى على ما نالهم (بِغَيْرِ حِسابٍ) أي : يعطون عطاء كثيرا أوسع من أن يحسب وأعظم من أن يحاط به ، لا على قدر أعمالهم.
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨))
__________________
(١) البقرة : ١١٦.
(٢) آل عمران : ١١٣.
(٣) الصواب أن الآية عامة.
(٤) الرعد : ١٩.
(٥) النحل : ٣٠.