وبعثرة القبور ، هو إخراج ما فيها من أموات ، حيث تنطلق منها الحياة التي كانت مندسّة فيها ، وكأنها قذائف تنفجر من باطن الأرض ..
قوله تعالى :
(عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) ..
هو جواب «إذا» الشرطية الظرفية ، وما بعدها من معطوف عليها ..
أي إذا حدثت هذه الأحداث ، علمت كل نفس ما قدمت من عمل صالح للآخرة ، وما فاتها أن تعمله فى الدنيا من خير .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى * يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (٢٣ : ٢٤ الفجر) .. وفى تنكير «نفس» ـ إشارة وحدة النفوس فى هذا اليوم من حيث العلم بما لها وما عليها ، فالنفوس جميعها سواء فى هذا العلم الذي يكشف كل شىء ، حتى لقد أصبحت نفوس الناس جميعا أشبه بنفس واحدة ..
قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) ..
الخطاب بيا أيها الإنسان ، استدعاء لمعانى الإنسانية التي أودعها الله سبحانه وتعالى فى الإنسان ، من قوى عاقلة مدركة ، من شأنها أن تميز بين الخير والشر ، وتفرق بين الإحسان والإساءة ، وأن تضع بين يدى الإنسان ميزانا سليما يضع فى إحدى كفتيه ما أحسن الله به إليه ، ويضع فى الكفة الأخرى ما يقدر عليه من شكر ، وذلك بإحسان العمل ، كما يقول سبحانه : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ). (٧٧ : القصص)
فإذا رأى الإنسان الكفة التي وضع فيها إحسان الله إليه ملأى بالعطايا والمنن ، ثم لم يضع فى الكفة الأخرى شيئا فى مقابل هذا الإحسان ، بل وتجاوز هذا ، فملأ الكفة كفرا بالله ، ومحادة لله ولأوليائه ـ فأىّ إنسان هو؟ وأي جزاء يجزى به؟