تحدّث عمر نفسه هذا الحديث الذي تحدث به عن الأبّ ، إلا بعد أن يفارق رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هذه الدنيا ، ويلحق بالرفيق الأعلى ، ثم يجد عمر هذه الكلمة ، وكأنه يتلوها لأول مرة!!
وثالثا : لا يعقل أيضا أن يأتى القرآن الكريم فى معرض آياته التي تحدث المشركين عن نعم الله التي أفاضها عليهم ، بكلمة لا يعرفون لها مدلولا ، ولا يجدون لها فيما بين أيديهم من نعم ـ مكانا!!.
ورابعا : ورد فى الشعر العربي الجاهلى ، أكثر من شاهد ، يدل على أن العرب كانوا يعرفون كلمة الأب فى قاموس لغتهم ، وكانوا يستعملونها فى المعنى المناسب لها ..
ومن الأشعار المروية ، ما يروى عن الأعشى من قوله فى الفخر :
جذمنا قيس وسعد دارنا |
|
ولنا الأبّ بها والمكرع (١) |
هذا ، ويعلق الإمام محمد عبده ، على الرواية المنسوبة إلى سيدنا عمر ابن الخطاب ـ على فرض التسليم بصحتها ـ فيقول :
«إذا سمعت هذه الروايات ، فلا تظنّ أن سيدنا عمر بن الخطاب ينهى عن تتبع معانى القرآن ، والبحث عن مشكلاته ، ولكنه يريد أن يعلمك أن الذي عليك من حيث أنت مؤمن ، إنما هو فهم جملة المعنى .. فالمطلوب منك فى هذه الآيات ، هو أن تعلم أن الله يمنّ عليك بنعم أسداها إليك فى نفسك ، وتقويم حياتك ، وجعلها متاعا لك ولأنعامك .. فإذا جاء فى سردها لفظ لم تفهمه ، لم يكن من جدّ المؤمن ـ أي من حظه ـ أن ينقطع لطلب هذا المعنى ، بعد فهم
__________________
(١) الجذم : الأصل : ويروى جدنا بدلا من جذمنا ، والمكرعات : النخل التي على الماء ، والمكرع : الماء نفسه ، والمهل الذي يروى منه.