وماذا يبقى من النبي ـ بل من أي إنسان ـ إذا أصيب فى عقله ، واختلط فى تفكيره ، حتى ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله ، ويأتى أزواجه وهو لا يأتيهن؟
أما كان من الجائز ، بل من الواقع الذي لا يمكن توقيه ـ أن يحدث النبي ـ وحاشاه ـ فى شرع الله حدثا ، فيقول ـ وهو لا يدرى ـ ما يحسبه المؤمنون المتلقون عنه ـ أنه قرآن أو سنة ، وهو ليس بقرآن ولا سنة ، فيأخذون به ويقيمون دينهم عليه؟ أم ترى أن المسلمين ـ وقد عرفوا ما بالنبي ـ عزلوه عن النبوة خلال تلك المدة ، فلم يسمعوا ما يقول ، ولم يقبلوه منه؟ وكيف والله سبحانه وتعالى يقول : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)؟ (٧ : الحشر) أمسلمون بلا نبىّ ، والنبي فيهم؟ أم نبى ولا مسلمون ، والمسلمون ألوف ، وألوف بين يديه ..؟
وثالثها : المعروف المؤكد من سيرة الرسول أنه كان إمام المسلمين فى الصلوات الخمس ، فى الحضر ، وفى السفر ـ فهل كان النبىّ خلال هذا العارض الذي عرض له ـ وقد امتدّ أشهرا ـ هل كان يقيم للمسلمين صلاتهم دون أن يختلط عليه أمر الصلاة ، فى أقوالها ، وأفعالها؟ وكيف كان يمكن أن يتحقق من أنه جالس ، أو قائم ، أو راكع ، أو ساجد .. وهو فى حال يحيّل إليه فيها أنه يفعل الشيء ولا يفعله؟
لقد كان الرسول صلوات الله عليه حريصا على أن يقيم للمسلمين صلاتهم حتى فى مرض موته ، فكان يتحامل على نفسه ، ويمضى إلى المسجد ـ لا تكاد تحمله قدماه ـ مستندا من جانبيه على صاحبين من صحابته ، حتى ثقل عليه المرض فى اليومين الأخيرين من حياته فى هذه الدنيا ، فأمر أبا بكر بأن يصلّى بالناس ..