واعيا ، إذا كان فيه بقية من عقل ، أو يقظة من ضمير .. ولو جاء الداعي إلى من يدعوه إلى العدول عن الطريق الذي هو عليه ـ لو جاءه آمرا ، أو زاجرا ، أو فاضحا لحاله المتلبس بها ، لما وجد منه إلا إعراضا وازورارا ، وتكرّها لسماع ما يلقى إليه من حديث ، فكيف إذا كان هذا المدعوّ جبارا عنيدا كفرعون؟ ولهذا جاء قوله تعالى : (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) راسما لموسى هذا المنهج الحكيم لدعوة هذا الجبار العنيد ، كما جاء ذلك فى قوله تعالى : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٤٣ ـ ٤٤ : طه).
وفى هذا الأسلوب القرآنى الخطة المثلى ، والمثل الكامل القويم ، لأصحاب الدعوات ، من القادة ، والزعماء ، والمصلحين .. إنهم لن يبلغوا بدعوتهم مواطن الإقناع ، ولن يحصلوا منها على ثمر طيب ، إلا إذا جعلوا الرفق واللين سبيلها إلى الناس ، والا إذا غذّوها بمشاعر الحبّ ، والرغبة الصادقة فى الإصلاح ، وبخاصة إذا كان الداعي يدعو إلى حقّ ، ويهدف إلى هدى وإصلاح : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١٤٥ : النحل).
وليس مما يدخل فى هذا الباب ، المداهنة ، والمخادعة ، والنفاق .. فذلك كله شر ، إذا اختلط بالدعوة الصالحة أفسدها ، وإذا خالط الحقّ أثار الدخان الكثيف فى سمائه الصافية ، فغشّى على الأبصار ، وحجب الرؤية عن مواقع الهدى ..
قوله تعالى :
(فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى).