لا يعلمون حسابا للقاء الله ، ولا يقدّمون شيئا لليوم الآخر ، فإنّ من خلت نفسه من شعور الثواب أو العقاب من الجهة التي يتعامل معها ، فإنه لا يلقاها إلا فى تراخ وفتور ، وعدم مبالاة.
وقوله تعالى :
(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ).
الفاء واقعة فى جواب شرط مقدر ، يدل عليه الاستفهام فى قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ)؟ أي إذا لم تكن رأيته ، فها هو ذا ، فانظر إليه ، وشاهد أحواله ، فهو ذلك الذي يدعّ اليتيم ..
والإشارة مشاربها إلى هذا الذي يكذب بالدين .. إنه ذلك الذي (يَدُعُّ الْيَتِيمَ) أي يقهره ، ويذله ، وينزع عنه لباس الأمن والطمأنينة إذا وقع ليده ، وعاش فى ظله .. إن اليتيم ضعيف ، عاجز ، أشبه بالطير المقصوص الجناح ، يحتاج إلى اللطف ، والرعاية ، والحنان .. فإذا وقع ليد إنسان قد خلا قلبه من الرحمة ، وجفت عواطفه من الحنان والعطف ـ كان أشبه بفرخ الطير وقع تحت مخالب نسر كاسر ، فيموت فزعا وخوفا ، قبل أن يموت تمزيقا ونهشا ..
وقوله تعالى :
(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ).
أي لا يدعو إلى إطعام المسكين ، ولا يجعل من رسالته فى الناس إطعام الجياع .. فإن من لا يحمل همّ الجياع ، ولا يدعو الناس إلى إطعامهم ، لا يجد من نفسه الدافع الذي يدفعه إلى إطعامهم من ذات يده .. ذلك أن الذي يعرف عنه فى الناس أنه يحضّ على هذه المكرمة وينادى بها فيهم ـ يستحى أن يدعو إلى فعل ولا يفعله ..