أي أيها الناس ، قد شغلكم التكاثر فى الأموال والمتاع ، فقطعتم حياتكم فى جمع المال وكنزه ، وفى تحصيل الجاه والسلطان ، دون أن تلفتوا إلى ما يجمّل العقل ، ويغذى الروح ، ويكمل النفس .. (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أي نزلتم فى قبوركم ، وإنها ليست دار مقام لكم ، وإنما هى إلمامة تلمّون بها ، أشبه بالزائر يطرق مكانا ، ثم يرحل عنه. وهكذا أنتم فى هذه القبور التي ستضمكم يوما .. إنها زورة ، ثم تحوّلون عنها إلى الحياة الآخرة .. إنها منزل على الطريق إلى البعث ، والحساب والجزاء ..
فالخطاب هنا عام للناس جميعا ، والمؤمنون منهم أولى بهذا الخطاب من غيرهم ، إذ كان يرجى منهم أن ينتفعوا به ، وأن ينظروا إلى أنفسهم نظرا مجدّدا على ضوئه.
وقوله تعالى :
(كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ).
وكلا ، فليس هذا هو الموقف السليم الذي ينبغى أن يقفه الإنسان فى الحياة ، وليس هو الطريق القويم الذي يحق له أن يسلكه .. فإن جمع المال للتلهى به ، وإشباع شهوات النفس منه ، وإرضاء غرورها بالتعالي والتشامخ على الناس ، لا لكسب محمدة ، أو قضاء حق لله أو للناس ـ هو ضلال ووبال .. وستعلمون حقيقة هذا لو أنكم نظرتم نظرا عاقلا مستبصرا ، ثم كلا .. إنكم لم تحسنوا النظر ، ولم تمعنوا الفكر ، فما زال علمكم بما أنتم عليه من ضلال ، علما لا يحرك شعورا ، ولا يثير خاطرا ، ولا ينزع بكم إلى أخذ اتجاه غير اتجاهكم .. فأعيدوا النظر ، وجددوا البحث فى حالكم تلك ، وسوف تعلمون .. وكلا .. فهذا العلم الجديد الذي علمتموه لا يعدّ علما ، فما زلتم فى شك وريب من البعث والحساب