وهذا شأن كثير من الناس ، بل هو شأن معظم الناس ، ولهذا جاء الحكم مطلقا ، إذ ليس فى الناس إلا قلة قليلة هى التي تعرف فضل الله عليها ، وإحسانه إليها ، ومع هذا فإنها لن تبلغ مهما اجتهدت ، ما ينبغى لله سبحانه من حمد وشكر .. وإلى هذا يشير قوله تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١٣ : سبأ)
وفى قوله تعالى : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) ـ استدعاء للإنسان أن يستحضر وجوده ، وأن يحاسب نفسه ، وسيرى ـ إن كان على علم وحق ـ أنه مقصر فى حق الله ، جاحد لفضله عليه .. وأن حبه الشديد لتحصيل المال ، والاستكثار منه ، هو آفته التي تنسيه فضل الله عليه ، فيغمط حقوق الله ، ويعمى عن وجوه الإنفاق فى سبيل الله .. وفى التعبير عن المال بلفظ الخير ـ إشارة إلى أنه خير فى ذاته ، ولكنه قد يتحول فى أيدى كثير من الناس إلى شر مستطير يحرق أهله!!
وقوله تعالى :
(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ* وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ).
أي أفلا يعلم هذا الإنسان الكنود ، وهو يحاسب نفسه ، أنّه إذا بعثر ما فى القبور ، وخرج الموتى من قبورهم إلى المحشر ، «وحصّل» أي جمع ما فى صدورهم من خفايا أعمالهم ، ورأوه عيانا بين أيديهم ـ أفلا يعلم ما يكون عليه حاله يومئذ ، وما ينزل به من عذاب الله؟.
وفى حذف مفعول الفعل «يعلم» .. استدعاء للعقل أن يبحث عن هذا المفعول ، وأن يستدلّ عليه ، وفى هذا ما يدعوه إلى إعمال فكره ، فيجد العبرة والعظة .. أي أفلا يعلم ما يكون فى هذا اليوم؟ إنه لو علم لكان له مزدجر عن غيّه وضلاله.