أودعها الخالق جل وعلا فيه ، فأحلّ حرمات الله ، واعتدى على حدوده ، وبهذا لم يصبح أهلا لأن يقسم الله به ، وأن يعرضه فى معرض التشريف والتكريم. (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٤ ـ ٦ : التين)
ومن هنا ندرك بعض السر فى نفى القسم بالوالد وما ولد .. فإن الله سبحانه أقسم بكثير من مخلوقاته ، من سماء وأرض ، وما فى السماء ، من شمس وقمر ، ونجوم ، وما فى الأرض من تين وزيتون ، وخيل عادية ، ورياح عاصفة ، وغير هذا ، مما أقسم الله سبحانه وتعالى به ، من عوالم الجماد ، والنبات ، والحيوان.
فهذه المخلوقات قائمة على ما خلقها الله سبحانه وتعالى عليه ، لم تخرج عن طبيعتها ، ولم تحد عن طريقها المرسوم لها ، على خلاف الإنسان ، الذي غير وبدل ، وانحرف عن سواء السبيل ..
وأما حين أقسم الله سبحانه وتعالى بالإنسان ، فإنما أقسم به فى فطرته التي أودعها الله سبحانه فيه ، تلك الفطرة التي جعلها الله تعالى أمانة بين يدى الإنسان ، فلم يرعها ، ولم يحفظها. وفى هذا يقول سبحانه : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) .. فهذه النفس ، هى الفطرة التي فطر الله الناس عليها (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) ..
والصورة الكاملة للإنسانية ، التي احتفظت بهذه الفطرة ، وزكتها التزكية المطلوبة لها ، هو رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وقد ألبسه الله سبحانه الشرف كله ، وتوجه بتاج العظمة على المخلوقات جميعها ، إذ أقسم به الحق جل وعلا ، مضافا إلى ذاته الكريمة ، فقال تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*