وبهذه المراقبة للزمن ، والالتفات الواعي إلى حركته ، يعرف الإنسان قيمة الزمن ـ ويحرص على الانتفاع بكل لحظة تمر منه.
وقوله تعالى :
(هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)
الحجر : العقل ، وسمى العقل حجرا ، لأنه يحجر صاحبه ويحميه من الضلال والضياع ، ومنه الحجر على السفيه ، صيانة لما له ، من تصرفاته الحمقاء .. ومنه سميت الحجرة ، لأنها تحجر من يداخلها ، وتحميه من الحر ، والبرد ، ومن أيدى اللصوص ، ونظرات المتلصصين .. والاستفهام هنا دعوة إلى أصحاب العقول أن ينظروا فى هذه الأقسام التي تمجد من شأن الزمن ، وتجعل من كل قطعة منه آية من آيات القدرة الإلهية ، لا يراها إلا أصحاب العقول ، ولا يدرك سر القسم بها إلا أولو البصائر والأبصار
وفى دعوة العقول إلى النظر والملاحظة لسير الزمن وحركاته بالليل ، إشارة إلى أن الليل هو الوقت الذي تهدأ فيه النفس ، وتسكن الجوارح ، فيجد العقل فيه فرصته للانطلاق ، والقدرة على التأمل ، والتفكير .. كما أن أكثر الناس يغفلون عن الليل ، ولا يرونه إلا قبرا يحتوى أجسامهم ، فلا يكون لهم وجود فيه ، ولا يكون لعقولهم تعامل معه ، فى حين أنه يمثل جزءا كبيرا من حياتهم يعادل نصف هذه الحياة .. وإنه لخسران عظيم للإنسان أن يدع هذا النصف من عمره يذهب هباء ، فكيف بمن يخسر عمره كلّه؟
وقوله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ* إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ)