ففى هذا العرض الموجز لقصة موسى ، كان النبي يرى فى كلمات الله تلك ، ـ بما قذف الله سبحانه وتعالى فى قلبه من أنوار الحق ـ كان يرى القصة كاملة ، تتحرك على مسرح الحياة ، بأحداثها ، وأشخاصها ، وأمكنتها .. ثم كان يحاول فى أول الوحى أن يمسك بالصورة كاملة ، كما وقعت له ، فجاء الأمر الرباني : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ .. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ)
قوله تعالى :
* (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ* وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ)
هو بيان للطبيعة البشرية التي يغلب عليها حب العاجل من الأمور ، والتطلع إلى الثمرة قبل الغرس .. وترى هذه الطبيعة واضحة فى موقف آدم من الشجرة التي نهاه الله سبحانه وتعالى عن الأكل منها ، مع إطلاق يديه جميعا للأكل من كل فواكه الجنة .. ولكنه زهد فى هذه الفواكه كلها ، ومدّ يده إلى تلك الفاكهة المحرمة ، فأكل منها ، وعصى أمر ربه ، وتعرض لما يتعرض له العصاة ، من اللوم والعقاب ..
ولم تكن هذه الشجرة ، بأكرم أشجار الجنة ، ولا أطيبها فاكهة ، ولكنه حبّ الاستطلاع ، والرغبة فى الحصول على كل شىء فى اليوم الحاضر ، دون نظر إلى الغد ..
وحب العاجل كما يكون فى المذموم ، يكون فى المحمود .. كالسبق إلى الخير ، والمبادرة بالأعمال الصالحة .. فهذا من مطالب النفوس الطيبة ، ومن شهواتها ، إن صح هذا التعبير .. إنها تشتهى الخير ، والإحسان ، وتستكثر منه فى يومها ، كما تستكثر النفوس الخبيثة من الخبيث فى حاضرها ، غير مبقية