وهذا أشده علىّ ، فيفصم عنى وقد وعيت ما قال ، وأحيانا يتمثل الملك رجلا فأعى ما يقول».
فالحال التي كان يأتى فيها الوحى مثل صلصلة الجرس ، هى الوحى الذي ينزل بالقرآن ، حيث لا يستطيع رسول الوحى ، جبريل عليهالسلام ، أن يبلّغ كلمات القرآن إلا وهو فى حال الملكية ، وهنا يجذب النبىّ إلى الخروج من حالة البشرية إلى حال هو أقرب فيها إلى عالم الملائكة ، وهذا لا يكون إلا عن مجاهدة عظيمة ، وإلا بعد معاناة ، يجد منها النبىّ كربا ، ويعانى منها شدة ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (ثُمَّ دَنا ، فَتَدَلَّى ، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٨ ـ ٩ : النجم).
أمّا فى حال تمثّل الملك رجلا ، فإن الملك هو الذي يحاول الخروج من صورته الملكية إلى صورة بشرية ، فيلتقى بالنبيّ ، كما يلتقى الإنسان بالإنسان .. وهذه الكيفية من الوحى ، تكون فيما يوحى به إلى النبىّ من الأحاديث والسنن القولية أو الفعلية ، أو التقريرية ، التي أثرت عن النبىّ .. من قول أو فعل أو تقرير .. فى حال التشريع ، وهو وحي من عند الله كذلك ، وهذا مما يشير إليه قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (٣ : النجم).
وقد ثبت من تاريخ نزول القرآن ، أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، كثيرا ما كان ينزل عليه الوحى وهو بين أصحابه ، فيغشاه ما يغشاه من شدّة ، حتى إذا قتّى الوحى ، كان أول ما يتحدث به الرسول إلى أصحابه وكتّاب وحيه ، هو ما نزل به الوحى عليه من آيات ربّه .. وهكذا ، فى جميع ما يروى من الأخبار الثابتة .. كل حال كان يأتى فيها الوحى إلى النبىّ مثل صلصلة الجرس ، كان الموحى به إليه فى تلك الحال ، قرآنا كريما ، لا حديثا قدسيا ، ولا سنة قولية أو فعلية ..