الكلمة من جبريل ، قبل أن يتم الآية .. فلما بلغ معه الوحى إلى قوله تعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) ـ نزل عليه قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ..
ولا شك أن هذا شاهد من شهود القرآن التي لا تحصى ، على أن هذا القرآن من عند الله ، وأن ليس لمحمد إلا تلقيه من الوحى ، وحمله إلى الناس .. وإلا لو كان هذا القرآن من كلام محمد ـ أكان محمد يلبس هذه الشخصيات جميعها ، فيكون مخاطبا وغائبا ، وناهيا ومنهيّا ، كل ذلك فى حال واحدة ، وموقف واحد؟.
أيعقل فى هذا الموقف الذي يواجه فيه المشركين بهذه النذر المطلة عليهم من يوم القيامة ـ أيعقل فى هذا الموقف ، أن يقطع محمد هذا العرض ، ثم يتحول إلى نفسه ، محاسبا ، وناصحا وموجها؟ وما شأن الناس بهذا ، لو كان محمد هو صاحب هذا الموقف ، والمصور له بكلماته؟ ..
إن صاحب الموقف ـ وهو الله سبحانه وتعالى ـ هو الذي يملك أن يقطع هذا العرض ، وأن يلقى على المتلقى عنه ، ما يشاء من توجيه ، وإرشاد ، حتى يجىء العرض واضحا ، كاملا .. إن الذي يملك الموقف كله ، قوة قائمة على محمد ، وعلى من يلقاهم محمد بهذا الحديث .. وتلك القوة هى التي تدير الخطاب ، وتوجهه كيف تشاء إلى أىّ من المخاطبين ، أفرادا ، أو جماعات ..
وقوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) نهى يراد به النصح والتوجيه إلى ما ينبغى أن يكون عليه النبي مع الوحى ، وهو ألا يحرك لسانه بكلمات القرآن ، قبل أن ينتهى جبريل من الوحى .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (١١٤ : طه) ..