إنه لا يريد أن يلتفت إلى ما وراء هذه الحياة الدنيا ، ولا يريد أن يقيّد نفسه بعالم آخر غير هذا العالم ، الذي يعيش فيه مطلقا من كل قيد ، مرسلا حبله على غاربه ..
وقوله تعالى : (لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) أي ليقيم حفرة بينه وبين الحياة الآخرة التي يقال له عنها .. إنه يضع أمام نفسه العقبات التي تصرفه عن الحياة الآخرة ، بما يقيم على طريق هذه الحياة من معوقات ، هى تعلّات وتصورات مريضة ، توقع عنده الشك فى البعث ، وما وراء البعث ، حتى يحلّ نفسه من ملاقاة هذا اليوم ، وما يحدّث به إليه ، عن هذا اليوم وأهواله .. إن ذلك اليوم يقطعه عن الحياة البهيمية التي رضى بها واطمأن إليها ، فهو إذا سمع حديثا عن يوم القيامة ، حاول جاهدا أن يفسد هذا الحديث ، وأن يخرج به من مجال العقل والجد ، إلى حيث المهاترة والهزل ..
وأصل الفجر ، والفجور ، من فوران الشيء ، وتفجره فى قوة وعنف ، ومنه قوله تعالى : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) ومنه الفجور ، وهو التهتك والتبذل ، وخلع قناع الحياء ..
وفى تعديه الفعل «يريد» باللام التي تفيد التعليل ـ مع أن الفعل يتعدى إلى مفعوله بغير حرف ـ فى هذا إشارة إلى أن هذه الإرادة إرادة عاملة ، وأنها ليست مجرد أمنية ، أو رغبة ، أو خاطرة ، تطرق الإنسان ، ثم لا تلبث أن تذهب غير مخلفة أثرا ..
فالإرادة هنا إرادة مشدودة إلى عزم ، وتصميم ، على التنفيذ .. وفى طريق التنفيذ تقوم عقبات ، فيعمل صاحب هذه الإرادة على تذليلها ، ويحتال لإمضائها .. ولهذا ضمّن الفعل «يريد» معنى الفعل «يحتال» .. وهذا يعنى