اليقين هناك بأن لا شفيع لهم من عذابها .. فإذا أعيدوا إلى الدنيا بعد هذه الرحلة الجهنمية لقيهم هذا السؤال : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ)؟ أي إذا كان هذا هو مصير الكافرين .. فما لهم ـ وهم الآن فى فسحة من أمرهم ـ يعرضون عن آيات الله التي تفتح له باب النجاة من هذا الكرب العظيم؟.
(كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ* فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ).
حال من أحوالهم فى إعراضهم عن القرآن ، ونفورهم منه .. إنهم ما إن يسمعون آيات الله تتلى ، حتى يفزعوا وينفروا كما تنفر الحمر ، وقد اشتمل عليها الذعر ، حين رأت قسورة أي أسدا ، مقبلا عليها .. وسمى الأسد قسورة ، أخذا من القسر ، والقسوة ..
وفى تشبيههم بالحمر المستنفرة من بين سائر الحيوانات التي إذا رأت الأسد فرت من وجهه ـ لأن الحمار يمثل الغباء والبلادة من بين سائر الحيوان ، وبه يضرب المثل فى هذا ، كما يقول سبحانه : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (٥ : الجمعة).
وفى إسناد الاستنفار إلى تلك الحمر فى قوله تعالى : «مستنفرة» بدلا من أن يسند الاستنفار إلى من استنفرها ، فيقال : «مستنفرة» ـ فى هذا إشارة إلى أن ذلك طبيعة غالبة عليها ، وأن من شأنها النفور دائما ، دون أن يكون هناك سبب لنفارها .. إنها ذات طبيعة وحشية ، لا تأنس فى ظلّ من سكينة أبدا ..
وفى وصف الحمر بأنها «مستنفرة» بدلا من «نافرة» ـ إشارة أخرى إلى أنها تستدعى هذه الطبيعة الكامنة منها ، وتهيجها وتحركها من غير سبب يدعو إليها ، كما أن بعض هذه الحمر يستدعى بعضا إلى هذا النفور ، فتمضى فى طريقها عليه ، من غير دافع إلا هذا التقليد الأعمى.